ونحو ذلك أيضاً ما يقرأ في سنن الدارمي ، بسنده عن هارون بن معاوية قال : « كان الرجل في الجاهلية إذا سافر حمل معه أربعة أحجار ، ثلاثة لقدره والرابع يعبده ، ويربّي كلبه ويقتل ولده » (١).
فإنّ هذه الأقوال وأمثالها ـ إن صحت ـ فإنما هي عن الأعراب ، لا العرب.
يقول المرحوم الدكتور جواد علي في كتابه (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) : « الحق اننا إذا أردنا البحث عن مورد يصوّر لنا أحوال الحياة الجاهلية ، ويتحدث لنا عن تفكير أهل الحجاز عند ظهور الإسلام ، فلا بدّ لنا من الرجوع إلى القرآن الكريم ، ولا بدّ لنا من تقديمه على سائر المراجع الإسلامية ، وهو فوقها بالطبع ، ولا أريد أن أدخله فيها ، لأنّه كتاب مقدّس ، لم ينزل كتاباً في التاريخ أو اللغة أو ما شاكل ذلك ، ولكنه نزل كتاباً عربيّاً ، لغته هي اللغة العربية التي كان يتكلم بها أهل الحجاز ، وقد خاطب قوماً فوصف حالتهم ، وتفكيرهم وعقائدهم ، ونصحهم وذكّرهم بالأمم والشعوب العربية الخالية (٢) وطلب منهم (٣) ترك ما هم عليه ، وتطرّق إلى ذكر تجاراتهم وسياساتهم وغير ذلك. وقد مثّلهم أناس كانت لهم صلات بالعالم الخارجي ، واطلاع على أحوال من كان حولهم ، وفيه تفنيد لكثير من الآراء المغلوطة التي نجدها في المصادر العربية الإسلامية ، فهو مرآة صافية للعصر الجاهلي ، وهو كتاب صدق لا سبيل إلى الشك في صحة نصّه.
_______________________
(١) سنن الدارمي ١ / ٤ مط الاعتدال بدمشق سنة ١٣٤٩.
(٢) سورة هود / ٩٥ ، سورة الحج / ٤٢ ، سورة الشعراء / ١٤١ ، سورة الحاقة / ٤ ، سورة ق / ١٤ ، سورة الدخان / ٣٧ ، سورة الفيل / ١ ، سورة البروج / ٤. (تنبيه : حذفنا أرقام السور التي ذكرها المؤلف).
(٣) وطلب اليهم.