ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله لنا رسولاً كما بعث الرسل إلى من قبلنا... » (١).
ولم يقصر عنه كلام المغيرة بن شعبة مع كسرى يزدجرد في وصفه لحالة العرب ، فقد ذكر ابن كثير عن المغيرة قوله : « ... كنا نأكل الخنافس والجعلان ، والعقارب والحيات ، ونرى ذلك طعامنا ، وأمّا المنازل فإنما هي ظهر الأرض ، ولا نلبس إلّا غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم... وديننا أن لا يقتل بعضنا بعضاً وأن لا يبغي بعضنا على بعض... وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه... » (٢).
ولعل الباحث لا يعدم الشواهد على أنّ الحال في قلب الجزيرة العربية كان أخف وطأة وأحسن حالاً ، كما هو الحال في مكة المكرمة. فإن فيها من المتحنفين الذين يدينون بالحنيفية كعبد المطلب وأمية بن أبي الصلت وزيد بن عمرو ، وفي العرب أمثال قس بن ساعدة ، ولعل زهير بن أبي سلمى منهم فقد كان في شعره مؤمناً بالله وبالمعاد والحشر والحساب إلى غير هؤلاء.
كما أنّ من كان بمكة من القاطنين أكثر رفاهية في الحياة ، واستقراراً في الأمن من سائر أقطار الجزيرة. لأنّ أهلها اتخذوا مكة مثابة للناس وأمناً ، وجعلوا في السنة الأشهر الحرم فلا حرب فيها ، وكانت تجارتها رابحة تتصل بالشام واليمن والعراق وفارس وجل أهلها تدير شؤونهم تلك التجارة الواسعة ، إمّا تجاراً
_______________________
(١) السيرة الحلبية ١ / ٣٤٠ ، سيرة ابن هشام ١ / ٢١٨.
(٢) البداية والنهاية ٧ / ٤٢.