فمنها : مجاورتهم بيت الله تعالى ، وايثارهم سكن حرمه على جميع بلاد الله ، وصبرهم على لأواء مكة وشدتها ، وخشونة العيش بها.
ومنها : ما تفردوا به من الإيلاف والوفادة والرفادة والسقاية والرياسة واللواء والندوة.
ومنها : كونهم على ارث من دين أبويهم إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام من قرى الضيف ورفد الحاج والمعتمرين ، والقيام بما يصلحهم ، وتعظيم الحرم ، وصيانته عن البغي فيه والإلحاد ، وقمع الظالم ومنع المظلوم.
ومنها : كونهم قبلة العرب وموضع الحج الأكبر ، يؤتون من كل أوبٍ بعيد ، وفجٍ عميق ، فترد عليهم الأخلاق والعقول ، والآداب والألسنة ، واللغات والعادات ، والصور والشمائل عفواً بلا كلفة ولا غُرم ، ولا عَزم ولا حيلة ، فيشاهدون ما لم تشاهده قبيلة. وليس من شاهد الجميع كمن شاهد البعض...
ومنها : بات وجودهم وجزيل عطاياهم ، واحتمالهم المؤن الغِلاظ في أموالهم المكتسبة من التجارة ...
وأعجب من ذلك أنهم من بين جميع العرب دانوا بالتحمّس والتشدّد في الدين فتركوا الغزو كراهة للسبي واستحلال الأموال ... » (١).
وإذا بحثنا عن السبب في تميّز مكة عن غيرها في ذلك المضمار ، لم نعد الحقيقة في أن نرجع الفضل في ذلك إلى سببين هما :
أوّلاً ـ وجود البيت الحرام الذي وفّر لمكة من الشرف على سائر البلاد ما لم يتوفر لغيرها ، حيث كان مدعاة لحج الناس إليه ، وفي ذلك من الفضل والشرف ما يسمو بها عن غيرها إلى مرتبة القداسة.
_______________________
(١) ثمار القلوب / ١٠ ـ ١١ تح محمّد أبو الفضل إبراهيم. ط دار النهضة مصر سنة ١٣٨٤ ه.