وقال في وصيته لبعض أصحابه : « وعزكم الحلم » (١).
وسيأتي ما يدل على ذلك في اللين.
٥ ـ وأمّا عن الجود : فقد قال رحمهالله : « لسادات الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الاتقياء » (٢).
_______________________
(١) مر تمام الوصية في الكلام عن الدين نقلاً عن مجمع الأمثال ٢ / ٤٥٥ تح محمّد محي الدين عبد الحميد.
(٢) أدب الدنيا والدين / ١٦١.
أقول : لقد روى ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ / ٣٣٤ ط دار الكتب وغيره قصة رواها ابن الكلبي قال : أخبرني غير واحد من قريش قالوا أراد عبد الله وعبيد الله ابنا العباس أن يقتسما ميراثهما من أبيهما بمكة ، فدُعي القاسم ليقسم ، فلمّا مدّ الحبل قال له عبد الله أقم المطمر ـ يعني الحبل الذي يُمدّ ـ فقال له عبيد الله : يا أخي الدار دارك لا يُمدّ والله فيها اليوم مطمر. فهذه القصة لا أكاد أصدّق صحتها. لأن الراوي لم يذكر من أبناء العباس إلّا عبد الله وعبيد الله فأين بقية أولاده وبناته وكلهم كان لهم حق في ميراثهم من أبيهم العباس ؟ فهل كانت دار العباس لهما فحسب لأنه خصهما بها ؟ أو انها كانت لهم جميعاً ثم خلصت لهما ببيع أو هبة ؟ فكل ذلك لم يشر إليه حديث الراوي في قصته ولو صحت أمكن تخريج القصة على وجهٍ صحيح بأن ابن عباس حبر الأمة لم يكن ليتسامح من حقه بمقدار ما زاغ عنه القاسم في اقامة الحبل فحرصه إنما كان لإقامة الحق ؟ لا عن سجية بخل لم يُعرف لها شاهد في سلوكه ولنا فيما ذكروه عنه من أحاديث السخاء الكثيرة ما يغني ويقني ، وحسب القارئ ما رواه صاحب الأغاني ١٠ / ١٥٧ مط التقدم بمصر من مروره بمعن بن أوس المزني وقد كف بصره وقال له يا معن كيف حالك ؟ فقال : ضعف بصري وكثر عيالي وغلبني الدين قال : وكم دينك ؟ قال : عشرة آلاف درهم فبعث بها إليه ،ثم مرّ به من الغد فقال له كيف أصبحت يا معن ؟ فقال :
أخذت بعين المال لما نهكته |
|
وبالدين حتى ما أكاد ادان |
وحتى سألت القرض عنه ذوي |
|
الغنى ودّ فلان حاجتي وفلان |
فقال له عبد الله : بالله المستعان ، إنا بعثنا اليك بالأمس لقمة فمالكتها حتى أنتزعت من يدك ، فأي شيء للأهل والقرابة والجيران ؟ وبعث إليه بعشرة آلاف درهم أخرى فقال :