ما حقّقه المتكلّمون من أحكام الجواهر والأعراض ، وما اشتملت عليه كتبه من الحكمة والمقدّمات والاعتراضات وأجوبة الشبهات ، وإن وجب معرفته كفاية من جهة اخرى. ومن ثمّ صرّح جماعة من المحقّقين بأنّ الكلام ليس شرطا في التفقّه ، فإنّ ما يتوقّف عليه منه مشترك بين سائر المكلّفين.
ومن الاصول : ما يعرف به أدلّة الأحكام من الأمر والنهي والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والإجمال والبيان وغيرها ممّا اشتملت عليه مقاصده.
ومن النحو والتصريف : ما يختلف المعنى باختلافه ليحصل بسببه معرفة المراد من الخطاب. ولا يعتبر الاستقصاء فيه على الوجه التامّ بل يكفي الوسط منه فما دون.
ومن اللغة : ما يحصل به فهم كلام الله تعالى ورسوله ونوّابه عليهمالسلام بالحفظ أو الرجوع إلى أصل مصحّح يشتمل على معاني الألفاظ المتداولة في ذلك.
______________________________________________________
أن يدفع تلك الشبهة إجمالا ، بأن يقول : تلك مصادمة لليقين ، وكلّ ما هو كذلك فهو باطل ، كما أجاب به بعض فحول العلماء عن شبهة المجهول المطلق بأنّها مصادمة لمقدمة بديهيّة وكلّ ما هو كذلك فهو باطل.
أقول : ما أفاده غريب! لأنّ الخصم لا يسلّم اليقين الّذي يدّعيه إلّا بعد إثباته بالبرهان القطعيّ ، وهو موقوف على معرفة شرائطه وتمكّنه من الإتيان بها ، وذلك لا يحصل إلّا بما فصّله الشهيد الثاني ـ قدّس الله روحه ـ وما ماثل به من جواب بعض فحول العلماء لا يوافق جوابه ، لأنّه يدّعي فيه أنّه مبنيّ على مقدّمة بديهيّة والبديهيّ يظهر لكلّ أحد ولا مساغ لإنكاره. وأمّا اليقين إذا حصل لأحد في مسألة لا يلزم حصوله كذلك لغيره ، فلا بدّ له من دليل على حصول اليقين بتلك المسألة ، على أنّ حجج الخصم ليست محصورة حتّى يمكن الجواب عنها بكلام الأئمّة عليهمالسلام أو من دليل العقل.
وقوله : « هذا ناظر إلى ما في كتب العامّة » لا ندري ما عنى به من وجه الذمّ؟ لأنّه ليس يلزم علينا أنّ كلّ ما اعتبره المخالفون من اصول وفروع لا يكون معتبرا عندنا ، لأنّ العلوم مشتركة ، وما فيه الخلاف بيّن ظاهر لا موافقة لنا فيه ، فأيّ محذور في مشاركتهم في المسائل الّتي لا خلاف بيننا وبينهم فيها ، حتّى أنّ المصنّف في عدّة مواضع يعيب العلماء المتقدّمين باتّباع طريق العامّة ويهضم قدرهم بذلك من غير موجب.