ولا ريب أنّ قضيّة الجمع بين هذه الاصول والقواعد أن يحمل رواية ستّمائة على ما يوازي نصفه تمام رواية الألف والمائتين ، ولا يعقل ذلك إلّا إذا حملت الاولى على المكّي والثانية على العراقي ؛ إذ على هذا التقدير يكون الستّة مائة من الأرطال موازية للألف والمائتين منها ، ولا بعد في هذا الجمع بل ممّا لا بدّ منه ، إخراجا لخطاب الحكيم عن الإجمال ، فيكون كلّ من الروايتين بيانا بالقياس إلى الاخرى ، وإن كانت كلّ واحدة مع قطع النظر عن صاحبها مجملة ، وليس ذلك من الجمع الّذي يطالب فيه بدليل دعي إليه ، معتبر في نظر العرف ؛ إذ لا يوجب خروجا عن ظاهر ولا طرحا لدليل في الحقيقة ؛ لعدم ظهور في الروايتين بدونه في شيء ، وإنّما يطرأهما الظهور بعد اعتبار الجمع ، فهو ممّا يعطيهما الظهور لا أنّه يوجب فيهما طرح الظهور ، ولا امتناع في مجملين إذا اجتمعا ولوحظا معا كان كلّ منهما بيانا للآخر ، بمعنى : أنّ بيان كلّ منهما يحصل بملاحظتهما معا.
ثمّ يبقى جملة من الوجوه المتقدّمة مؤيّدة لهذا الجمع ، شاهدة به ـ لو تمّت ـ مع عدم الحاجة إليها ، فاتّضح بذلك حكم المسألة بحمد الله وليّ النعمة.
ولأصحابنا الأعلام رضوان الله عليهم نقوض وإبرامات في تصحيح أدلّة الطرفين وإفسادها ، مذكورة في مظانّها ومن يطلبها فليراجعها ، ولا فائدة مهمّة تدعونا ـ بعد وضوح المسألة ـ إلى تحمّل نقلها وجرحها وتعديلها ، فهي بالإعراض عنها هنا أحرى وأجدر.
ولكن يبقى في المقام فائدة ينبغي الإشارة إليها لعموم النفع بها ، وهي بيان ما يبلغ إليه الكرّ بالأرطال العراقيّة من المنّان ، وغيرها من الأوزان المتعارفة الآن في كثير من البلدان على حسب ما يقتضيه قواعد الحساب وغيرها.
فنقول : إذ قد عرفت سابقا أنّ « الرطل » مائة وثلاثون درهما فاعلم : أنّ « الدرهم » يطلق فيما يقابل المثقال الّذي منه ما كان شرعيّا ومنه ما كان صيرفيّا ، والأوّل من الثاني ثلاثة أرباعه ، كما أنّ الثاني من الأوّل مثله وثلثه ، فالدرهم من المثقال الشرعي نصف مثقال وخمسة ، كما أنّ المثقال الشرعي منه درهم وثلاثة أسباعه ، والدرهم من المثقال الصيرفي نصفه وربع عشره.
وإن شئت السهولة في معرفة هذه النسب ، فافرض العشرين مثقالا صيرفيّا ، وخمسة عشر مثقالا شرعيّا ، والعشرة والنصف درهما ، فاعلم : أنّ كلّ عشرة دراهم على