وعلى نسخة الرفع : إن كان شيء من الدم أو غيره خفي كونه في الماء فلا بأس به ، وإن كان شيئا لا يخفى كونه في الماء فلا يتوضّأ منه ، ولا ريب أنّ الرواية بكلّ من التقديرين واضحة الدلالة على أنّ إدراك مباشرة النجاسة بالحسّ أو الذهن موجب لترتّب النجاسة وأحكامها ، وهو عين ما صار إليه المشهور ، ولا شهادة لها بما صار إليه الشيخ ، ومحصّل مفادها ـ على ما أشرنا إليه غير مرّة ـ إفادة النجاسة وأحكامها منوطة بالعلم بالمباشرة ولو بتوسّط الحسّ ، ويكون موردها كما يرشد إليه السؤال المصرّح بإصابة الدم للإناء صورة الاشتباه والاحتمال ظنّا أو وهما أو شكّا ، لصدق الخفاء المعلّق عليه عدم المنع على الجميع عرفا ، ولا ريب أنّها ممّا يحسن معها السؤال ، بل السؤال عن مثلها ممّا ينبعث عن التقوى وكمال الاعتناء بآثار الشرع وأحكامه ، كما هو من دأب المحتاطين وديدن المتّقين ، لا سيّما الّذين لهم حظّ من العلم والفقاهة في مسائل الدين.
فما أورد على القول بمنع دلالة الرواية إلّا على إصابة الإناء ، من أنّ ذلك غير لائق بعلوّ شأن السائل وهو عليّ بن جعفر ؛ لكونه فقيها جليل القدر عظيم الشأن من أهل العلم والمعرفة ، فكيف يسأل عن حكم إصابة النجاسة للإناء دون الماء ، مع وضوحه وبداهة أنّ إصابة الإناء ممّا لا يعقل لها تأثير في المنع ، ليس على ما ينبغي.
لا يقال : السؤال إنّما ينبعث عن الجهل ، ومن البعيد أن لا يكون عليّ بن جعفر عالما بحكم صورة الاشتباه ، وما قرّر لها من الأصل الّذي يرجع إليه معها ، لأنّه لا يناسب ما فيه من الفقاهة وجلالة الشأن وعلوّ المرتبة ، لمنع اقتضاء كلّ ذلك ما ذكر من الاستبعاد ، فإنّ البحر قد يشذّ منه القطرة ، مع أنّ الفقاهة إنّما تحصل تدرّجا فلم لا يجوز كون الرواية صادرة في أوّل الأمر ، أو أنّه علم الأصل بالاجتهاد ومع ذلك راعى السؤال أخذا بالأوثق ، أو أنّ السؤال إنّما ورد تنبيها للغير على حكم المسألة ممّن خفي عليه الأمر.
وبما قرّرناه في دفع دلالة الرواية على ما صار إليه الشيخ ، وقعنا في فراغ عن القدح في سندها ، والحكم عليه بالضعف من جهة الجهالة ، فإنّ في طريقها محمّد ابن أحمد العلوي وهو مجهول حاله ، غير منصوص في كلام علماء الرجال بمدح ولا قدح ، حتّى يعارض بكون توثيقه مستفادا من تصحيح العلّامة رواياته في المختلف والمنتهى ،