المفهوم ، بالنظر إلى الأحوال اللاحقة بالمباشرة الّتي تستفاد من تلك النسبة من كونها حاصلة بورود الشيء على الماء ، أو بورود الماء على الشيء ، أو بورود كلّ على الآخر دفعة.
ولا ريب أنّ إطلاق تلك النسبة يشمل جميع تلك الأحوال فيتبعه الحكم منطوقا ومفهوما ، لئلّا يلزم الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه ، وما ادّعي من القول المذكور لا يصار إليه إلّا مع دليل دافع لذلك الإطلاق وليس ثابتا لما ستعرف من ضعف المستند.
وممّا قرّرناه تبيّن اندفاع ما اعترض عليه من منع شموله لمحلّ البحث ، تعليلا بأنّ الدلالة تنشأ عن عموم « الشيء » المأخوذ في المفهوم ، وهو بمكان من المنع لكونه نكرة في سياق الإثبات فلا يعمّ ، كما تبيّن بطلان ما قيل في دفعه ـ بعد تسليم المنع المذكور ـ من أنّ الدلالة تنشأ من لفظ « الماء » وهو عامّ.
والوجه فيهما : أنّ العامّ إنّما يشمل من الأفراد لما هو من سنخه بحسب المفهوم العرفي أو اللغوي ، ولو من جهة الإطلاق المقابل للتقييد ، ولا ريب أنّ كون كلّ فرد من أفراد النجاسة ممّا يوجب انفعال القليل لا يستلزم كونه كذلك في جميع الأحوال اللاحقة بالمباشرة ؛ إذ ليست الأحوال من سنخ أفراد النجاسة ، كما أنّ كون كلّ فرد من أفراد القليل ممّا ينفعل بالملاقاة لا يستلزم كونه كذلك بالقياس إلى جميع أحوال المباشرة ، فلا بدّ من إحراز العموم من جهة اخرى ممّا يرجع إلى المباشرة ، نظرا إلى أنّها الّتي تختلف بالأنواع المختلفة المعبّر عنها بالورودين والتوارد.
الثاني : إطلاق جملة من الروايات المتقدّمة كرواية أبي بصير الواردة في النبيذ المتضمّنة لقوله عليهالسلام : « ما يبلّ منه الميل ينجّس حبّا من ماء » (١) ، فإنّ ذكر « الحبّ » وارد من باب المثال ، للقطع بعدم مدخليّة الخصوصيّة في الحكم ، فهو في الحقيقة كناية عن الكثير الّذي يباشره النبيذ كائنا ما كان ، وتحديده بما يبلّ منه الميل مبالغة في قوّة ما فيه من التأثير ، حتّى أنّ أقلّ قليل منه ينجّس من الماء ما كان أكثر منه بمراتب ، ولا ريب أنّ ذلك بإطلاقه يتناول محلّ البحث أيضا.
ورواية عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام : عن الرجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضّأ من ذلك الإناء مرارا ، وغسل منه ثيابه واغتسل منه ، وقد كانت الفأرة
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٧٠ ب ٣٨ من أبواب النجاسات ح ٦ ـ الكافي ٦ : ٤١٣ / ١.