الحديث ، حيث يحمل الرواية على صورة الضرورة كما سبق الإشارة إليه ، بل ليس ذلك لمجرّد التأويل رفعا للتنافي بين الروايات حتّى يقال : بأنّه لا يستلزم الاختيار ، إنّما هو أخذ بما هو ظاهر الرواية ومفادها ، فيكون اختيارا للمذهب ، لا أنّه مجرّد وجه جمع ذكره في المقام ، فلا إجماع على عدم الفرق ، إن لم نقل بأنّ النزاع إنّما هو في غير حال الضرورة.
والقول بأنّ النهي المستفاد منها بالقياس إلى حالة الاختيار إنّما اعتبر هنا تنزيها ، كما صرّح به العلّامة في المختلف (١) ، ممّا لا يلتفت إليه ، بعد ظهور الرواية في المنع التحريمي ، ومن هنا أمكن جعلها من أدلّة القول بالمنع ، عملا بمفهوم الشرط في قوله عليهالسلام : « فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ، ويرجع الماء فيه ».
واخرى : بأنّ نفي البأس في الصورة المفروضة لعلّه من جهة حصول الاستهلاك وصيرورة الماءين واحد ، المستلزمة لعدم صدق عنوان التطهير بالمستعمل ، فتكون الرواية دالّة على الجواز فيما هو خارج عن محلّ النزاع.
وفي أوّل الاعتراضين : أنّه إن اريد به قصور الرواية عن الدلالة على الجواز بالنسبة إلى حال الاختيار ، ولكن بملاحظة ما في كلام السائل من قوله : « إذا كان لا يجد غيره » لا بملاحظة ما في الجواب من فرض وحدة المكان وقلّة الماء معها وعدم كفايته لغسله ، فله وجه ، نظرا إلى أنّ الجواب ينصرف إلى مفروض السؤال ، وليس فيه لفظ عامّ ولا مطلق صالح لأنّ يتناول مورد السؤال وغيره ، فهو بالنسبة إلى حالة الاختيار ساكت نفيا وإثباتا.
وإن اريد به الدلالة على المنع في حالة الاختيار أيضا ، ولكن بملاحظة ما في الجواب من قوله : « وإن كان في مكان واحد وهو قليل ، لا يكفيه » فهو في حيّز المنع ، إذ لا مدرك لهذه الدلالة إلّا قاعدة المفهوم ، وهو إمّا يعتبر من الشرطيّة ، أو من التقييد بوصف وحدة المكان ، أو من التقييد بالقلّة مع عدم الكفاية ، ولا سبيل إلى شيء من ذلك.
أمّا الأوّل : فلأنّ مثل هذا الشرط إنّما يعتبر لبيان موضوع الحكم ، لا للتعليق المنحلّ إلى إفادة لزوم الوجود للوجود والانتفاء للانتفاء ، فلا مفهوم له ، إذ لا معنى لقولنا : « إن لم يكن في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فعليه بأس أن يغتسل ويرجع الماء فيه »
__________________
(١) مختلف الشيعة ١ : ٢٣٥.