المذكورة بيان لموضوع ـ حكم متّفق عليه أو مختلف فيه ـ استفادوه كلّا أم جلّا من الأدلّة الشرعيّة ، لا أنّه تفسير لمفهوم اللفظ لغة ولا عرفا ولا شرعا حتّى يلزم منه ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه ، وإلّا فمفهوم قولنا : « ماء جار » لغة وعرفا ليس إلّا الماء السائل ، ووصف الجاري صفة تقييديّة يحترز بها عمّا ليس بسائل فعلا ، لا أنّه صفة توضيحيّة.
نعم هو حيثما يؤخذ اللفظ المذكور موضوعا للحكم المشار إليه أو في المسألة المختلف فيها يكون صفة توضيحيّة ، لكن من جهة الفرض والاعتبار ، لا من جهة دخولها مع الموصوف في مفهوم اللفظ لغة أو عرفا.
وبالجملة : مفهوم اللفظ لغة أو عرفا شيء ، وموضوع الحكم الشرعي شيء آخر ، غاية الأمر أنّهما قد يتطابقان وقد يتفارقان ، وغرضهم من التفاسير المذكورة الإشارة إلى الثاني فقط ، والأوّل يفارقه في غير النابع ، فإنّه إذا سال ماء جار لغة وعرفا وإن لم يكن من موضوع الحكم الشرعي أو المسألة المذكورين في شيء ، والّذي يشهد بما ذكرناه من تغاير الأمرين وجوه :
الأوّل : خلوّ كلام أئمّة اللغة ـ فيما نعلم ـ عن تفسيره بما هو موضوع للحكم الشرعي ، واشتمال جملة من كلامهم على تفسيره بما يعمّ هذا المعنى كما عرفت عن مفتاح المعاني ، ولا ينافيه ما عرفته عن المصباح ، لأنّ تفسيره بالمتدافع إمّا تفسير له بما يرادف السائل أو بما يلزمه ، نظرا إلى أنّ السيلان يستلزم كون بعض الأجزاء دافعا للبعض الآخر ، وموجبا لانتقاله عن مكان إلى آخر.
والثاني : ما عرفت في التفاسير المذكورة من التعبير في أكثرها بقولهم : « والمراد بالجاري » ، « أو المراد به هنا » ، فإنّ ذلك كالتصريح بأنّ هذا التفسير بيان لما هو المراد من اللفظ في خصوص المقام ، ويزيده بيانا ما في كلام بعضهم من إخراج الجاري لا عن نبع عمّا هو المراد هنا بطريق الاستدلال ، ولا ينافيه ما في بعض تلك التفاسير من بيان المعنى بطريق الحمل دون التعبير بلفظة « المراد » ، لأنّ ذلك أيضا بقرينة ما في أكثرها ينزّل إلى بيان المراد بالخصوص ، لا بيان مفهوم اللفظ بما هو هو ، كما يفصح عن ذلك ما عرفت عن ثاني الشهيدين في كتابيه المسالك (١) والروضة (٢) ، حيث إنّه في
__________________
(١) مسالك الافهام ١ : ١٢.
(٢) الروضة البهيّة ١ : ٢٥٢.