« واعلم ، أنّه لا يشترط فيه الجريان ، بل يكفي مجرّد النبع » (١) ، ويمكن استفادته أيضا عن جملة من التفاسير المتقدّم ذكرها لما فيها من إطلاق النبع ، وعن ظاهر المحقّق اعتباره ، حيث حكم بعدم تطهير القليل بالنبع من تحته ، تعليلا : « بأنّ النابع ينجّس بالملاقاة » (٢) ، وعن كاشف اللثام ـ للفاضل الهندي ـ أنّه جعله أوضح الاحتمالين (٣) وهو المحكيّ عن المقنعة (٤) ، والتهذيب (٥) ، حيث حكما بانفعال القليل من الغدير النابع وتطهيره بالنزح ، وهو صريح بعض من قاربناه عصرا ، قائلا ، « بأنّه يلحق بالبئر العيون الصغار الغير السائلة ، وغير الصادق عليها اسم البئر ، وفاقا للمقنعة والتهذيب والفاضل الهندي في شرح القواعد ، لعدم صدق الجريان في مائها شرعا ولغة وعرفا ، فلا يشمله عبارات الأصحاب ولا ما ورد من الأخبار » (٦).
وعن المحقّق البهبهاني : « أنّ النابع الراكد عند الفقهاء في حكم البئر » (٧).
ويستفاد عن المحقّق المذكور ـ في عبارة محكيّة عن شرحه للمفاتيح اعتباره في صدق الاسم دون الحكم ، بمعنى دخول العيون المشار إليها في حكم الجاري. وخروجها عنه اسما ، حيث قال : « المعتبر في الجاري والبئر هو الصدق العرفي ـ أي العرف العامّ ـ فمجرّد الجريان اللغوي لا ينفع في الجاري ، حتّى يكون الجريان عن مادّة سواء كانت نبعا أو نزأ حاصلين عن حفر الآبار وخرق أسافلها ، ودخل الماء من بئر إلى بئر إلى أن جرى على الأرض وهذا هو المسمّى بالقناة ، أو كان البئر واحدة وثقب أسفلها حتّى يجري ماؤها على الأرض ، أو امتلأت ماء إلى أن جرى على الأرض ، ففي جميع هذه الصور يكون الماء جاريا ، وإن أطلق عليه ماء البئر أيضا ، إلّا أنّه ليس إطلاقا حقيقيّا باصطلاح العرف العامّ ، ومن الجاري العيون الّتي يجري منها الماء ، وأمّا الّتي لا يجري أصلا وإن كان عن مادّة نبعا أو نزأ فحكمها حكم الجاري في عدم الانفعال ما لم يتغيّر ، للأصل ، والعمومات ، وقوله عليهالسلام في البئر : « لأنّ له مادّة » وغير ذلك » (٨) انتهى.
__________________
(١) مشارق الشموس : ٢٠٥.
(٢) المعتبر : ١١.
(٣) كشف اللثام ١ : ٢٥٤.
(٤) المقنعة : ٦٦.
(٥) التهذيب ١ : ٢٣٤.
(٦) لم نعرف قائله.
(٧) حاشية البهبهاني على مدارك الأحكام ١ : ١٠٤.
(٨) مصابيح الظلام ـ كتاب الطهارة ـ (مخطوط) الورقة : ٥١٨.