لا البول ، دون الباقية لظهورها في السؤال عن البول في الماء دون الماء نفسه.
أقول : الإنصاف ورود هذه الروايات في سياق واحد ، وإن قدّم في بعضها البول وفي البعض الآخر الماء ، والّذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنّ الغرض بالسؤال فيها استعلام الحكم التكليفي حتّى فيما قدّم فيه ذكر الماء ، ولو سلّم عدم الظهور فيها بالخصوص ، فلا نسلّم ظهورها في خلاف ما ذكر ، لأنّ ظهور البواقي فيما ذكر يوجب فيها عدم ظهور في خلافه ، كما أنّ تقديم ذكر الماء فيها يوجب عدم ظهورها فيما ذكر ، فهو في الحقيقة مجمل من جهة العارض.
وربّما يحكي الاستدلال فيما هو من قبيل هذه الروايات بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في بحث الغسالة ـ الواردة في الثوب الّذي يصيبه البول ، المشتملة على قوله عليهالسلام : « وإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة » (١) وهو أضعف من سابقه ، لابتنائه على عدم نجاسة الغسالة ، أو المنافاة بين طهر المحلّ ونجاسة ما يغسل به.
وسادسها : ما ورد في الروايات من تشبيه ماء الحمّام بالجاري ، كصحيحة داود بن سرحان « قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ما تقول في ماء الحمّام؟ قال : هو بمنزلة ماء الجاري » (٢) ومرسلة الكافي عن ابن جمهور ، عن محمّد بن القاسم ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت : أخبرني عن ماء الحمّام ، يغتسل منه الجنب ، والصبي واليهودي والنصراني ، والمجوسي؟ فقال : إنّ ماء الحمّام كماء النهر ، يطهّر بعضه بعضا » (٣) بتقريب : أنّه لو كان الجاري يشترط فيه الكرّيّة لم يكن للتشبيه به وجه من جهة الطهارة.
والأولى أن يقال ـ في تقريب الاستدلال ـ : إنّ التشبيه وما هو بمنزلته ممّا يقتضي في نظر العرف والعادة ـ بل العقل ـ أيضا أمرين :
أحدهما : امتياز المشبّه به ـ الّذي هو الجاري هنا ـ عمّا عداه في وصف أو حكم ملحوظ للمتكلّم منبعث منه التشبيه.
وثانيهما : مشاركة المشبّه ـ الّذي هو هنا ماء الحمّام ـ له في ذلك الوصف أو الحكم المقصود إفادتها من التشبيه ، وامتياز الجاري عمّا عداه من المياه إمّا في طهارته
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٣٩٧ ب ٢ من أبواب النجاسات ح ١ ـ التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧.
(٢) الوسائل ١ : ١٤٨ ب ٧ من أبواب الماء المطلق ح ١ ـ التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧٠.
(٣) الوسائل ١ : ١٥٠ ب ٧ من أبواب الماء المطلق ح ٧ ـ الكافي ٣ : ١٤ / ١.