فالقول : بأنّ الهيئة المركّبة إذا انتفى شيء منها لا تجري عليها الأحكام ، لانتفاء المركّب بانتفاء أحد أجزائه ، ولأنّ أحكام الحمّام مخالفة للأصل ، فيقتصر فيها على المتيقّن ، بل لو شكّ في كون الموجود الآن كالسابق أو لا؟ لم تجر عليه الأحكام أيضا وإن أطلق عليه الاسم الآن ، مع عدم جريان أصالة عدم التغيّر هنا ، إذ هي إنّما تجري حيث يكون المعنى قديما ورأينا اللفظ الأوّل مستعملا فيه الآن ، وشككنا فيه بالنسبة إلى الزمن السابق فنحكم بذلك لأصالة عدم التغيّر ، لا فيما إذا شككنا في كون هذا المعنى موجودا سابقا أو لا؟ وفرق واضح بين المقامين.
وأصالة عدم الاشتراك لا يثبت بها وجود المعنى ، إذ غاية ما يمكن إثباته بها نفي الاشتراك بعد فرض وجود المعنى ، أمّا أنّها تثبت أنّ هذا الموضوع موجود في السابق فلا ، متّضح الفساد (١) ضرورة أنّ اختلاف الهيئة لا يوجب عدم جريان الأحكام ما لم يكن موجبا لاختلاف الماهيّة وانتفاء الماهيّة الاولى ، ونحن نقطع ببقاء الماهيّة الاولى في الحمّامات المستحدثة ، وإن حصل فيها الاختلاف كثيرا ، والأحكام الثابتة ثمّة تجري عليها مع القطع بالتغيّر فكيف مع الشكّ فيه ، ومعه لم يكن الحاجة ماسّة إلى التشبّث بالأصل حتّى ينظر في جريانه وعدمه.
ووقوع اللفظ عليها مع اختلافها في الهيئات من باب وقوع المشترك المعنوي على أفراده المختلفة ، فلا حاجة إلى أصالة عدم الاشتراك ، وليس للحمّام حكم مغاير للقواعد حتّى يقتصر فيه على المتيقّن ، لكون عدم الانفعال مستند إلى الاتّصال بالمادّة البالغة بنفسها أو مع ما في الحياض والساقية كرّا ، وهو من مقتضي القواعد المقرّرة.
نعم ، على القول بعدم اشتراط الكرّيّة رأسا ـ كما هو أضعف الأقوال ـ ربّما يتّجه ذلك ، غير أنّه يندفع بملاحظة ما قرّرناه ، نظرا إلى ورود النصّ الخاصّ مع عدم داع إلى الاختصاص ، فلا ضير معه في الخروج عن الأصل ، بل هو واجب حينئذ كما مرّ في مستثنيات قاعدة الانفعال ، هذا إذا اريد بالأصل ما يقتضيه تلك القاعدة ، وأمّا إذا اريد به ما يقتضيه الأصل الأوّلي في المياه من الطهارة ، ليكون ذلك دفعا لمقالة مشترطي الكرّيّة بأحد المعنيين ، فيكفي في الخروج عنه عموم تلك القاعدة وعلى أيّ حال كان فما في الحياض الصغار
__________________
(١) هذا جواب لقوله : « فالقول بأنّ الهيئة المركّبة ... » الخ.