وأمّا القولان المتوسّطان فمبناهما على مراعاة صدق الوحدة وعدمه ، بزعم أنّها لا تصدق إلّا مع تساوي السطوح ، أو معه ومع انحدار المادّة فيكتفي بكرّيّة المجموع ، وفي غيرهما لا بدّ من كرّيّة المادّة ، ويشكل التعلّق له بالأدلّة الفارقة بين الكثير والقليل لعدم اقتضائها توقّف الاعتصام عن الانفعال على الاتّصال بالكرّ ، إذ غايتها الدلالة على اعتصام نفس الكرّ لا ما يتّصل به وهو ليس منه ، كما يشكل التعلّق له بأدلّة الحمّام ، إذ مبنى الاستدلال بها إن كان على إطلاقها فهي تقتضي نفي اعتبار الكرّيّة رأسا فضلا عن اعتبارها في المادّة ، وإن كان على ما توهّم من انصرافها إلى كرّيّة المادّة بملاحظة الغلبة ، فهي تقتضي حينئذ ـ على فرض صحّته ـ اعتبارها مع تساوي السطوح واختلافها مطلقا ، لا في خصوص اختلافها مطلقا ، أو في صورة التسنيم خاصّة ، فكيف يخصّص ذلك بصورة الاختلاف مطلقا ، أو مع التسنيم خاصّة والمفروض أنّه على هذا التقدير لا تنافي بينها في صورة التساوي وبين أدلّة إناطة الاعتصام بالكرّ حتّى يقال : إنّه نشأ من ترجيح تلك الأدلّة عليها ، بل الّذي يقتضيه أدلّة الكرّ من كرّيّة المجموع ما يقتضيه أدلّة الباب أيضا بناء على قاعدتهم المذكورة ، إذ كما أنّ الغالب في الحمّام بلوغ المادّة كرّا فكذلك الغالب فيه بلوغ المجموع كرّا ، بل الغلبة في ذلك أقوى وأظهر كما لا يخفى.
وبالجملة : هذان القولان ممّا لا نعرف له وجها يعتمد عليه ، فهما بالإعراض عنهما أولى وأجدر ، بل اللائق بالبحث إنّما هو القول الأوّل والأخير ، وقد عرفت أنّ مبنى الأوّل على تحكيم أدلّة انفعال القليل على أدلّة الحمّام.
ويرد عليه : أنّ هذا لا يجدي في حصول مطلوبهم إلّا إذا اندرج المقام على تقدير كرّيّة المجموع في منطوق « إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء » وهو في غاية الإشكال ، بل في حيّز المنع ، لا لأنّ الكرّ يشترط في عدم انفعاله تساوي السطوح ، بل لعدم جريان ما ذكرناه من الضابط في معنى تلك القضيّة في مباحث الكرّ ، من كون مفاد أدلّته أنّ كلّ ماء يقع عليه اسم الكرّ عرفا فهو ممّا لا ينجّسه شيء ، ولا ريب أنّ ماء الحوض الصغير في الحمّام لا يقع عليه اسم الكرّ ـ ولو حال اتّصاله بالمادّة ـ مع كون المجموع كرّا ، بل مع كون المادّة وحدها كرّا ، ووقوعه على المجموع مبنيّ على الاعتبار ، لا أنّه له في الواقع ونفس الأمر.