وإن شئت صدق مقالتنا في دعوى رجوع ذلك إلى الخلاف في صدق الوحدة وعدمه ؛ فانظر في كلاميهما تجدهما مشتملين نفيا وإثباتا على إناطة الحكم بصدق الوحدة وعدم صدقه ، لتصريح العلّامة بصدقها في المسألة الاولى بقوله : « اتّحدا » فيكون المسألة الثانية أيضا على قياسها ، وتصريح المحقّق بعدم صدقها بعنوان الحقيقة لقوله : « صارا كالماء الواحد » فإنّ التأدية بأداة التشبيه تقتضي كون الماءين مع عدم اتّحادهما حقيقة في حكم الماء الواحد البالغ كرّا في عدم انفعاله بمجرّد الملاقاة ، وعلى قياسها المسألة الثانية فإنّ الوحدة الحقيقيّة إذا لم تكن متحقّقة بمجرّد الوصل بساقية لم يكن مجرّد الوصل كافيا في التطهير ، على خلاف الحكم في المسألة الاولى وهو الكفاية في عدم الانفعال.
وجه الفرق بين المسألتين : أنّ الأحكام تدور مدار عناوينها المأخوذة في الأدلّة ، والماء الواحد من حيث أنّه ماء واحد لم يؤخذ عنوانا في حكم عدم الانفعال بملاقاة النجاسة ، بل المأخوذ عنوانا في هذا الحكم ـ حسبما قرّرناه في بحث الكرّ ـ إنّما هو عنوان الكرّيّة وما فوقها ، وصدق هذا العنوان لا يتوقّف على وحدة الماء حقيقة بل يكفي فيه مجرّد الاتّصال بين الماءين كما لا يخفى على المتأمّل ؛ بخلاف حكم التطهير فإنّه معلّق على عنوان الوحدة الّذي لا يتأتّى بمجرّد الاتّصال المفروض.
وبما وجّهناه في الفرق بين المسألتين يندفع المنافاة المتوهّمة بين الكلامين ، فظهر أنّ النزاع بينهما راجع إلى الصغرى ، فالعلّامة يرى مجرّد هذا الاتّصال كافيا في صدق عنوان الوحدة ، والمحقّق لا يراه كافيا لتصريحه بأنّه ممتاز عن الطاهر ، بل يراه متوقّفا على حصول الممازجة كما فهمه العلّامة من كلامه وردّه بأنّ المداخلة ممتنعة ، واستظهره منه أيضا جماعة ، ويرشد إليه أيضا قوله ـ في الوجه الثاني ممّا استدلّ به ـ : « والنجس لو غلب على الطاهر نجّسه مع ممازجته ، فكيف مع مباينته » يعني فكيف يطهّر مع مفارقته عن الطاهر البالغ كرّا.
وحاصله : أنّ نجاسة الكرّ معلّقة على غلبة النجس عليه وتغيّره بسببه ، وهي لا تتأتّى إلّا مع الممازجة ، ضرورة أنّ النجس لو كان مفارقا عن الكرّ لم يصدق عليه أنّه غلبه ، كما أنّ طهر النجس معلّق على صيرورته مع الكرّ ماء واحدا ، ولا يتأتّى ذلك إلّا مع الممازجة.