ومن هنا يندفع اعتراضان آخران أوردا على التقرير المتقدّم في الاحتجاج :
أحدهما : منع قضاء تعدّد المسبّب بتعدّد الواجب ، فإنّ المسبّب اللازم تعدّده بتعدّد أسبابه إنّما هو الوجوب ، ولا ريب أنّ تعدّد الوجوب لا يقتضي تعدّد الواجب ، بل من الجائز اجتماع إيجابات متعدّدة في واجب واحد للتأكيد أو لجهات اخر.
وثانيهما : ما يرجع إلى منع اقتضاء تعدّد الواجب تعدّد الامتثال ، بل يكفي فعل واحد عن فعلين ، لصدق الامتثال مع الواحد أيضا على قياس ما هو الحال في الأغسال وغيرها من الأحداث المقتضية للوضوء أو الغسل.
وجه اندفاع الأوّل : أنّ الوجوب إن اريد به التكليف الفعلي المتوقّف فعليّته على العلم بتحقّق سببه الّذي منه صدور الخطاب الكاشف عن انقداح الطلب النفساني صدورا ، المتوقّف تعلّقه على العلم بتحقّق جهة صدوره ، فلا ريب أنّ تعدّده يقضي بتعدّد الواجب ، كيف لا وكلّ عرض لا بدّ له من معروض ، ومقايسة ذلك على مقام التأكيد غير سديدة ، ضرورة أنّ الحادث في التأكيد ليس إيجابات حقيقيّة متعدّدة ، بل إيجاب واحد مبيّن بعبارات متعدّدة ، وحمل المقام على نظير ذلك خروج عن الظاهر بلا داع إليه.
ووجه اندفاع الثاني : أنّ معنى تعدّد الواجب تعدّد الاشتغال بأفعال متعدّدة أو فعل واحد بالنوع ، ولا ريب أنّ تعدّد الأفعال ممّا يستدعي في حكم العقل تعدّد الامتثال ما لم يقم دليل على كفاية الواحد ، ومع قيامه خرج المورد عن المبحث.
فمنه يتبيّن فساد التمثيل بالأغسال وغيرها ، فإنّ الاكتفاء بالواقع هناك اتّباع للدليل الغير الموجود هنا ، ولو سلّم عدم قضاء العقل بلزوم التعدّد في الامتثال عند تعدّد الاشتغال فلا أقلّ من الشكّ في اعتباره ، وهو محرز للأصل المقتضي لبقاء الاشتغال بغير ما امتثل به ، ولا رافع له في جانب اللفظ ولو من جهة الإطلاق كما لا يخفى.
وممّا يعترض في المقام : إنّ القاعدة وإن اقتضت عدم التداخل ، إلّا أنّ من المعلوم في خصوص المقام أنّ النزح لإزالة النجاسة الحاصلة من ملاقاة ما وقع فيه ، والنجاسة وإن تعدّدت أفرادها ـ كما يكشف عن ذلك اختلاف كيفيّة إزالتها ـ إلّا أنّ الثابت من ذلك كفاية مزيل أحد الأفراد لإزالة الفرد الآخر المساوي له في الكيفيّة ، فيكفي مزيل واحد للنجاسة الحاصلة من وقوع شاة وكلب ، لأنّ الفرض اتّحاد نجاستهما لاتّحاد مزيلهما ،