الماهيّة ، وكما يتعدّد تأثيرها مع التعاقب فينبغي أن يتعدّد التأثير مع التقارن ، ومجرّد تقارن الفردين وتعاقبهما مع إحراز بعض ما سبق لا يصلح في حكم العقل فارقا بينهما في الحكم ، كيف لا ولا ريب أنّها في ضمن كلّ من الفردين المتقارنين كانت مؤثّرة تامّة على تقدير الانفراد وعدم اتّفاق الانضمام بينهما حتّى أنّها من جهتها منفردين كانت مقتضية لأثرين ، فأيّ شيء أسقطها عن هذا الحكم؟ وهل هو إلّا إنكار السببيّة التامّة بالقياس إليها؟ أو رجوعا عن القول بأنّ الأدلّة قضت بكونها سببا تامّا للتنجيس كائنة ما كانت ؛ والمفروض تحقّقها في ضمن كلّ من الفردين فيجب بحكم السببيّة المطلقة أن تؤثّر أثرين.
وثانيها : عن أهل القول بعدم التداخل أنّه استثنوا من ذلك ما إذا تبدّل موضوع حكم بسبب تعاقب الفردين من ماهيّة فصاعدا بموضوع حكم آخر ، كما لو وقع دمان قليلان فصاعدا إلى أن بلغ المجموع حدّ الدم الكثير الّذي هو موضوع لنزح خمسين ، كما أنّ القليل موضوع لنزح عشرة فاكتفوا منه بمنزوح الموضوع الثاني وهو خمسون في المثال.
وعن الشهيد رحمهالله (١) استثناء آخر لما إذا كان التكثّر داخلا تحت الاسم كزيادة كثرة الدم ، فلا زيادة في القدر حينئذ لشمول الاسم.
والأوّل لا يخلو عن مناقشة ، فإنّ القليل والكثير ليسا بعنوانين واردين في النصوص ليتمسّك في الموارد المشتبهة بإطلاق لفظيهما ، وإنّما هما معنيان استفادوهما من النصوص الواردة في رمي الشاة والدجاجة كما مرّ ، فيضعف تناولهما لمثل هذه الكثرة الانتزاعيّة جدّا.
بل لو كان الموجود في النصوص هو لفظ « الكثرة » ـ كالموجود في الفتاوي ـ لكان شموله لمثل المقام في غاية الإشكال ، إذ « الكثرة » هنا في مقابل « القلّة » فتكون ظاهرة فيما كان وصفا حقيقيّا في فرد ، لا ما كان منتزعا عن أفراد ، مع أنّك قد عرفت أنّ التأثير قائم بذات المؤثّر حال الوجود ، فالمقتضي لنزح خمسين إنّما هو الكثير الخارجي لا مفهومه الذهني الصرف ولا خارج له هنا ، لأنّ الفرد الأوّل عند وجوده كان منفردا عن الثاني ثمّ انعدم باستهلاكه في الماء عند وجود الثاني.
__________________
(١) ذكرى الشيعة ١ : ٩١.