ولا يخفى ضعف الوجه الأوّل مع ما ذكره في ترجيحه ، فإنّ التراوح يقوم مقام نزح الجميع في كونه أبعد الغايات إذا لم يتعدّد ما يوجب نزح الجميع ، وأمّا معه فسقوط الحكم مع حصول نزح الجميع مرّة إنّما هو لعدم قابليّة المحلّ للتعدّد لا لحصول ما هو أبعد الغايات عن الكلّ ، وحينئذ فلا موجب لسقوط التعدّد عن التراوح المفروض بدلا ، لانتفاء موجب السقوط وهو تعذّر التعدّد.
فقضيّة البدليّة تعدّد البدل مع تعدّد المبدل واتّحاده مع اتّحاده ، وإن شئت نظّر المقام بمسألة قتل زيد إذا تعدّد أسبابه كقتل النفس مرّتين مثلا ، وقلنا : ببدليّة الدية عن القصاص إذا رضي بها أولياء الدم ، فحينئذ لو اختير المبدل فلا إشكال في الاكتفاء بالمرّة ، وإن قلنا بعدم التداخل لعدم قابليّة المحلّ للتعدّد ، وأمّا مع اختيار البدل فلا أظنّ قائلا يقول بالاكتفاء فيه بدية واحدة.
وأمّا ما قيل : من أنّ الواجب أوّلا نزح الجميع للكلّ فإن لم يمكن قام مقام الجميع التراوح ، وكما أنّه إذا نزح الجميع في صورة الإمكان أجزأ لعدم بقاء ما يتعلّق به النزح ، كذلك إذا نزح الماء بطريق التراوح ، فإنّ ماء التراوح على هذا يكون عبارة عن مجموع ماء البئر ، فلم يبق للنزح حينئذ متعلّق حتّى يمكن تعدّد البدل ، لأنّ الماء الباقي بعد التراوح يكون في حكم النابع بعد نزح الجميع ، وكما أنّه لا يتعلّق النزح بالنابع فكذلك لا يتعلّق بما هو مثله.
فضعفه واضح جدّا ، ضرورة أنّ التراوح بدل عن نزح الجميع في تعلّق الحكم به لا أنّه بدل عنه في ارتفاع الحكم عنه ، ولا ريب أنّ الحكم قد تعلّق بنزح يتعدّد بتعدّد أسبابه من أوّل الأمر ، غايته أنّه إذا حصل في الخارج مرّة ارتفع الحكم عن الباقي لعدم بقاء متعلّقه ، لا أنّ الباقي لم يتعلّق به الحكم من أوّل الأمر ، ولذلك لا يوجب ذلك تخصيصا في دليل سببيّة ما يقتضي من النجاسات نزح الجميع ثانية وثالثة وهكذا ، فإنّ زوال الحكم المتعلّق بانتفاء متعلّقه غير عدم تعلّق الحكم من أوّل الأمر بما هو صالح له ، والتخصيص يلزم على الأوّل دون الثاني ، فإذا فرض أنّ الحكم يتعدّد تعلّقه بنزح الجميع عند تعدّد أسبابه وفرض تعذّر ذلك من جهة غلبة الماء واستيلائه ، فلا جرم يتعدّد الحكم المتعلّق ببدله بعد ثبوت البدليّة ؛ والمفروض أنّ انتفاء المتعلّق بالقياس إليه