الشارع أعطى المشتبه بالنجس والحرام حكمهما ، ألا ترى أنّ ملاقاة النجاسة بعض أجزاء الثوب مع الاشتباه بباقي أجزاءه موجب لغسله كملا » (١).
وردّ : بمنع عموم هذه الدعوى إن أريد بها جميع الأحكام ، وعدم جدواه إن اريد في الجملة.
وبمثل ذلك اعترض صاحب المعالم على ما ذكر في الاحتجاج على مذهب العلّامة ، من أنّ المفروض كون الاشتباه موجبا للإلحاق بالنجس في الأحكام ، فملاقيه إمّا نجس أو مشتبه بالنجس ، وكلاهما موجب للاجتناب ، قائلا : « وفساده ظاهر ، فإنّ إيجاب الاشتباه للإلحاق بالنجس إن كان في جميع الأحكام فهو عين المتنازع ؛ وإن كان في الجملة فغير مجد ، وكون مطلق الاشتباه موجبا للاجتناب في حيّز المنع ، وإنّما الموجب لذلك على ما هو المفروض اشتباه خاصّ » انتهى (٢).
وتحقيق المقام : أنّه لا يمكن مقايسة ملاقي المشتبه كائنا ما كان على نفس المشتبه في شيء من أحكامه حتّى الحكم التكليفي المعبّر عنه هنا بوجوب الاجتناب ، لأنّ أصالة الطهارة أصل قرّره الشارع ـ حسبما تقدّم بيانه مفصّلا ـ لإحراز الطهارة في كلّ ماء ـ بل كلّ شيء ـ مشكوك في نجاسته ، باعتبار الشكّ في عروض وصف النجاسة بتحقّق سببه وعدمه ، ولا ريب أنّ المقام من مجاريه ، السليمة عمّا يمنع جريانه ، ومعناه القاعدة المقتضية لإجراء جميع أحكام الطهارة وآثارها ، وعدم الاعتناء باحتمال طروّ النجاسة ـ ولو ظنّا ـ ما لم يستند إلى دليل شرعي.
وقضيّة ذلك كونه في مجاريه علما شرعيّا بالطهارة في ترتيب أحكامها ، كالدخول في الصلاة وغيرها من مشروط بالطهارة ، متلبّسا بمورده باستعمال وغيره من أنواع الملاقاة ، وتناوله أكلا أو شربا أو نحو ذلك من أنواع التصرّفات المنوط جوازها بالطهارة ، فلا يعارضه أصل الشغل الجاري في الصلاة ونظائرها ، ولا استصحاب الأمر المقتضيين للعلم بالبراءة المتوقّف على ترك مباشرة المورد ، لأنّ العلم المأخوذ في مقتضاهما بملاحظة الأدلّة الشرعيّة القطعيّة ، الّتي عمدتها السيرة والإجماع الضروري والأخبار المتفرّقة في الأبواب الفقهيّة البالغة فوق حدّ التواتر ، معنى أعمّ من الشرعي
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ٥١٣ نقلا بالمعنى.
(٢) فقه المعالم ٢ : ٥٨١.