من تلك الأحكام ، بل غاية ما يوجبه إنّما هو نقل النجاسة المتيقّنة إلى النجاسة المستصحبة ، فالأحكام بعد باقية ، فلم يترتّب عليه فائدة ، فلا وجه لإيجابه.
ومن أنّ النجاسة الغير المعلومة أهون في نظر الشارع من معلومتها ، فلذا القي أحكام النجاسة الواقعيّة بمجرّد انتفاء العلم بها ، والأوّل اولى للأصل وإن كان أحوط.
وخامسها : اختلفوا في وجوب إراقة الماءين الواردة في النصّ المتقدّم في الإنائين ، فعن الشيخين (١) والصدوقين (٢) الوجوب لظاهر الأمر الوارد في النصّ ، وعن ابن إدريس (٣) ومن تأخّر عنه الثاني ، وعليه العلّامة في المختلف (٤) وغيره ، وعن بعض الأصحاب (٥) أنّ علّة الأمر بالإراقة ليصحّ التيمّم ، لأنّه مشروط بعدم الماء.
وقد يعدّ ذلك قولا على حدة في مقابلة الأوّل ، حملا له على وجوبها تعبّدا وذلك على وجوبها مقدّمة للتيمّم.
وردّه غير واحد ـ كما في المختلف (٦) ، وعن المعتبر (٧) ، أيضا ـ : « بأنّ وجود الماء الممنوع من استعماله لا يمنع التيمّم كما في المغصوب ».
وحاصله : أنّ شرط التيمّم عدم التمكّن من استعمال الماء لا مجرّد عدمه ، ومنع الشارع عن استعمال هذا الماء رافع لتمكّن الاستعمال ، فالشرط حاصل ، ومعه لا حاجة إلى إراقة الماء.
وهذا كما ترى مبنيّ على حرمة الاستعمال ذاتا حتّى في رفع الحدث ، وهو محلّ إشكال.
والأولى في دفع هذا القول أن يقال : إنّ التيمّم مع وجود هذا الماء إمّا أن يكون سائغا أو لا ، فعلى الأوّل لا مقتضي للإراقة ، وعلى الثاني يتعيّن المائيّة بذلك الماء ، وذلك يكشف عن عدم المنع من استعماله في الطهارة ، ضرورة امتناع التكليف بالمتناقضين كامتناع عدم ثبوت التكليف بشيء من البدلين.
وبذلك يظهر ضعف ما ذكر في توجيه الأمر الوارد في النصّ ، نعم إنّما يتّجه ذلك
__________________
(١) وهما الشيخ الطوسي كما في النهاية ١ : ٢٠٧ والشيخ المفيد في المقنعة : ٦٩.
(٢) المقنع : ٢٨ ـ الفقيه ١ : ٧.
(٣) السرائر ١ : ٨٥.
(٤ و ٦) مختلف الشيعة ١ : ٢٤٩ و ٢٥٠.
(٥) حكاه عنه في المعتبر : ٢٦.
(٧) المعتبر : ٢٦.