تجويز للترجّح بغير مرجّح ، نظرا إلى أنّه لو صحّ الواحد المعيّن لذلك فصاحبه أيضا صالح له ، مع أنّ ذلك ممّا يدفع ضرورة الحسّ والوجدان ويقطع بديهة ما يشاهد بالعيان.
وإن شئت : فاستوضح ذلك بملاحظة اللبنين المتمازجين ومراعاة الأحمرين المتخالطين ، فهل تجد لنفسك طريقا إلى دعوى تحقّق للفعل والانفعال فيما بينهما أو أنّهما باقيين بعد الاختلاط والامتزاج على ما كانا عليه قبلهما من البياض والحمرة من دون طروّ شدّة في بياض أحدهما أو حمرته ، ولا تطرّق خفّة إليهما في الآخر ، غاية الأمر أنّهما لشدّة الامتزاج في أحدهما صارا كالمتّصل الواحد ، على نحو كان كلّ جزء من كلّ باقيا على وصفه الأوّلي القائم به قبل الامتزاج.
وأمّا الثاني : فلأنّ تأثير كلّ في الآخر فرع لقابليّة المحلّ للتأثّر وهو باطل ، لتشاغل كلّ قبل انعقاد جهة التأثير بما لو كان الآخر مؤثّرا فيه لكان هو أثره ، مع أنّ حقيقة التأثير هنا ترجع إلى اكتساب الوصف بالمجاورة ، ولا اكتساب إلّا في موضع الحاجة ولا حاجة إلّا للفاقد ، مع أنّ تأثير كلّ في الآخر إمّا أن يكون بزيادة على ما فيه من الوصف أو بنقيصة عمّا كان فيه ولا سبيل إليهما.
أمّا الأوّل : فلأنّ تلك الزيادة إمّا أن تأتي من الخارج والمفروض خلافه ، أو من قبل نفس المؤثّر والمفروض أنّه فاقد لها.
وأمّا الثاني : فلأنّ النقص في الوصف ممّا لا يتأتّى إلّا باستيلاء الوصف المخالف ، ولا مخالفة بينهما في الوصف على ما هو المفروض.
وبالجملة : حصول التغيّر في الصورة المفروضة بحسب الواقع على نحو يكون مستورا عن الحسّ ممّا لا يمكن تعقّله.
وأمّا في الصورة الثانية : فلأنّ قضيّة أشدّيّة وصف النجس بالقياس إلى وصف الماء أن يتأثّر به الماء لا محالة بحدوث زيادة ما في وصفه ، إذ المفروض كون النجس بحسب المقدار بحيث لو لا المانع عن ظهور أثره لأثّر وظهر الأثر ، ولا ريب أنّ الزيادة لا مانع من حصولها لقابليّة المحلّ مع وجود المقتضي فوجب حصولها وهي مع ذلك محسوسة ، وإن تعذّر امتيازها عن المزيد عليه ، ولعلّ كلام أهل القول بالتنجّس ناظر إلى تلك الصورة ، وإن كان ممّا لا يساعد عليه إطلاقهم ، ولا يلائمه التصريح بأنّ التغيّر وإن