الرّجل وأحصر على ما لم يسمّ فاعله ، قال ابن السكّيت أحصره المرض إذا منعه من السّفر أو من حاجة يريدها ، قال الله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) ثمّ قال : وقد حصره العدوّ يحصرونه إذا ضيّقوا عليه وأحاطوا به ، وحاصروه محاصرة ، وحصرت الرّجل فهو محصور أي حبسته قال وأحصرني بولي وأحصرني مرضي : أي جعلني أحصر نفسي قال أبو عمرو الشيبانيّ حصرني الشيء وأحصرني أي حبسني فقد علم أنّه في الأصل المنع عن الشيء مطلقا سواء كان المانع المرض أو العدوّ ، ولكنّ الظاهر ممّا قيل في سبب نزوله من أنّه نزل في الصدّ في الحديبيّة وقوله تعالى (فَإِذا أَمِنْتُمْ) أنّ المراد به هنا هو الصدّ بالعدوّ ، وقوله (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) يدلّ على أنّه بالمرض إذ البعث إنّما هو في المرض عند أصحابنا وأمّا حكم الصدّ بالعدوّ ، عند أصحابنا والشافعيّ فهو الدّبح موضع الصدّ ، كما بيّن في الفقه ، ونقل من فعله صلىاللهعليهوآله ذلك في الحديبيّة ، وهي من الحلّ على ما قالوا ، وحمل الآية على بلوغ الهدي موضعا يحلّ ويبيح ذبحه فيه ، حلّا كان أو حرما ، كما هو مذهب مالك والشافعيّ بعيد جدّا لأنّه تصير لفظة حتّى والبلوغ لغوا وكذا المحل لحصول الإجمال مع الزيادة ، إذ المناسب حينئذ الاختصار على (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أو يضمّ إليه «فيه» يعني فعليكم ذبح هدي ميسّر في ذلك المكان حينئذ وأمّا عند أبي حنيفة فلا فرق بينهما ، ومحلّ الهدي هو الحرم وزمانه متى شاء فالبعث متحقّق عنده فيهما في بعض الأوقات بأن يكونا في الحلّ لا في الحرم ، فيرد عليه أيضا الإشكال الّذي ورد على الشافعيّ في الجملة على أنّه ينافيه فعله صلىاللهعليهوآله في الحديبيّة بناء على أنّه من الحلّ على ما قالوه.
وأما أصحابنا فكأنّهم يجعلونه مخصوصا بالمرض ، وما يسلّمون سبب النزول ويجعلون «أمنتم» بمعنى أمنتم من المرض فقط أو العدوّ أيضا وإن لم يكن منع العدوّ مذكورا بخصوصه ويجعلون مكان الهدي في العدوّ موضعه وزمانه زمان إرادة التحليل قبل أن يفوت الحجّ ويخصّون ذلك باسم الصّدّ سواء كان في الحجّ أو العمرة ، وفي المرض : منى ، يوم النحر إن كان حاجّا ومكّة ، الساعة الّتي وعدهم فيها إن كان