الأمن فكما فهم من الكشّاف ومجمع البيان ، فانّ الخلوّ من المرض أمن ، وكذا عدم الخوف وأيضا المرض ضيق وحرج والصحّة أمن وسعة ، كما أشار إليه القاضي بقوله في حال أمن وسعة ، والعجب منه أنّه مع تخصيصه الإحصار بالعدوّ ، وجعله (أَمِنْتُمْ) مؤيّدا لذلك ، قال ذلك ، وكأنّه فهم من الكشّاف وأخذه تقليدا من غير تدبّر ، إلّا أن يريد غير المعنى الّذي ذكره في الكشّاف فتدبّر.
والحاصل أنّه إذا لم تحصروا وتمنعوا ، وكنتم في حال أمن قادرين على الحجّ (فَمَنْ تَمَتَّعَ) أي استمتع وانتفع (بِالْعُمْرَةِ) منتهيا (إِلَى الْحَجِّ) واستمتاعه بالعمرة إلى وقت الحجّ انتفاعه بالتقرّب بها إلى الله ، قبل الانتفاع بتقرّبه إليه بالحجّ وقيل (١) إذا حلّ من عمرته انتفع باستباحة ما كان محرّما عليه ، إلى أن يحرم بالحجّ. فوجب عليه ما تيسّر وتهيّأ من أصناف الهدي ، وهي هدي المتعة ودم التمتّع الّذي هو الواجب على المتمتّع يذبحها أو ينحرها بمنى يوم النحر بعد الرمي قبل الحلق أو التقصير ، وفي تقسيمه أثلاثا : ثلث يتصدّق به على المؤمن الفقير وآخر يهدي إلى المؤمن ويؤكل من الآخر إمّا واجبا أو ندبا خلاف ، وقد مرّ وسيجيء تحقيقه إنشاء الله تعالى.
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) هديا فالواجب عليه صيام عشرة أيّام ثلاثة (٢) في الحجّ وسبعة مطلقا بعد الرّجوع. فمن شرط فعليه جزاؤه ولا بدّ في العجز عن الهدي عدم وجدانه أصلا أو فقدان ثمنه ، بمعنى عدم وجدان شيء زائد على ضروريّاته عادة حتّى ثياب تجمّله على ما ذكروه ، ولكن لو تكلّف فاشترى بثمن ثيابه أجزأ قاله في الدّروس ، وفيه تأمّل فإنّه لو صدق عليه الوجدان لوجب وإلّا تعيّن الصوم ولعلّ نظر الدّروس إلى أنّ الصوم حينئذ رخصة لا عزيمة ، أو يجب الهدي بعد بيع ثياب التجمّل فتأمّل ، والظاهر المصير إلى العرف فما لم يضرّ بيعه بحاله ، ولو
__________________
(١) اى وقيل تمتعه إلى وقت الحج هو أنه إذا حل إلخ.
(٢) أعنى متواليات للإجماع ظاهرا والخبر ، ويؤيده القراءة وإن كانت شاذة منه رحمهالله في هامش بعض النسخ ، وقد جعله في نص في المتن.