يطلب الظّالم العصا من شخص لضرب مظلوم ، فيعطيه إيّاها ، أو يطلب منه القلم لكتابة ظلم فيعطيه إيّاه ، ونحو ذلك ممّا يعدّ ذلك معاونة عرفا ، فلا يصدق على التّاجر الّذي يتّجر لتحصيل غرضه أنّه معاون للظّالم العاشر في أخذ العشور ولا على الحاجّ الّذي يؤخذ منه بعض المال في طريقه ظلما وغير ذلك ممّا لا يحصى ، فلا يعلم صدقها على شراء من لم يحرم عليه شراء السّلعة من الّذي يحرم عليه البيع ولا على بيع العنب ممّن يعمل خمرا ، والخشب ممّن يعمل صنما ، ولهذا ورد في الرّوايات الكثيرة الصّحيحة جوازه وعليه الأكثر ونحو ذلك ممّا لا يحصى فتأمّل.
والآية دلّت على أنّ المعاون على الشّيء كالفاعل في الخير والشّرّ كما هو المشهور في الخبر أنّ الدّالّ على الخير كفاعله ، وفيه أيضا أنّ التّصدّق لو تعاقبت عليه كثرة الأيدي ثمّ وقع بيد المتصدّق يكتب للكلّ ثواب التصدّق من غير نقصان شيء عن صاحبه فتأمّل.
(وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فيجب الخوف عنه باجتناب جميع مناهيه من المعاونة على الإثم وغيره ، وبترك الانتقام بغير ما استحقّ.
الثالثة: (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١).
فيها دلالة على جواز الدّعاء بل كونه مرغوبا فيه ومندوبا إليه ، إذ الظّاهر أنّ إبراهيم عليهالسلام لا يفعل الدّعاء بكون البلد آمنا وبالرّزق للمؤمن بالله واليوم الآخر ـ حيث جعل من آمن بدل أهله مطلقا فاسقا كان أو غيره ـ إلّا إذا كان كذلك ، بل لا يبعد الفهم كافرا أيضا مطلقا كما يشعر به قوله بعده (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) أي زمانا قليلا ، وهو مدّة بقائهم في الدّنيا أو متاعا قليلا ، وهو متاع الدّنيا ، وكلّ ذلك قليل بالنسبة إلى متاع الآخرة فكيف ما وصل منها إلى
__________________
(١) البقرة ، ١٢٦ ،