وقال القاضي : في الآية دليل على وجوب المهاجرة من موضع لا يتمكّن الرجل فيه من إقامة أمر دينه ، وفي الكشّاف : هذا دليل على أنّ الرجل إذا كان في بلد لا يتمكّن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب ، أو علم أنّه في غير بلده أقوم بحقّ الله وأدوم على العبادة حقّت عليه المهاجرة وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنّة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيّه محمّد صلوات الله عليهما. وفي الدلالة خفاء فإنّها مقيّدة بكون الهجرة فريضة كما تقدّم ، قال في الكشّاف : «الّذين» هم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة.
وقوله تعالى (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) يعني يموتون حين كونهم ظالمين أنفسهم فالوعيد متعلّق بمن يموت وهو ظالم بترك الهجرة الواجبة ، بحيث صار سببا لموافقة الكفّار ومساعدتهم ، وترك إظهار الإسلام بل إظهار الكفر كما يفهم من سوقها ومن الكشاف والقاضي ويمكن أن يكون مع عدم اعتقاد جوازها وحلّيتها ، حيث صار الحكم (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) وذلك ليس إلّا فيما يكون كفرا.
وبالجملة غاية ما يفهم منها وجوب المهاجرة في مادّة خاصّة بسبب خاصّ ، ولم يعلم منه أنّ كلّ هجرة واجبة وكلّ تارك لها ظالم ، إلّا أن يقاس باستخراج العلّة وإثباتها في الفرع وأنّى له ذلك ، ولهذا إنّ ترك هذه الهجرة كبيرة ، وفيه ما تقدّم من المبالغات الّتي كادت أن لا توجد في غيرها فكيف يكون غيرها كذلك مع أنّه نقل أن لا هجرة بعد الفتح ، فما بقي ذلك الحكم حينئذ وعلى تقدير الدلالة على الأوّل في الجملة كيف يدّعى دلالتها على الثاني أي قوله «أو علم إلخ وكأنّه لذلك قال «وحقّت» وما صرّح بالوجوب والفرض ، لأنّ لفظة حقّت بمعنى الأولى والأحسن هو الشائع والكثير ، وهو حقيقة فيه.
ولكنّ البيضاويّ صرّح بالوجوب ، وكأنّه نظر إلى القياس ، فالدلالة على تقدير إمكان استخراج القياس وصحّته لا يتمّ عند أصحابنا ، حيث لا يقولون به ، وكأنّه لذلك ما ذكره في مجمع البيان ويؤيّده جواز النقيّة بل وجوبها فيعمل بها