لا يقبّح الانتقام والانتصاف بل هو محض العدل كما أشار إليه سلطان المحقّقين في التجريد ، فقول الكشّاف : لأنّ عدله يوجب المغفرة للنائب لأنّ العبد إذا جاء في الاعتذار ، وجب العفو والتجاوز باطل.
فقد عرفت ممّا قرّرناه عدم التدافع بين نقل إجماع مجمع البيان على وجوب قبول التوبة ونفي التجريد فافهم قال في مجمع البيان ، الإصرار أصله الشدّ من الصرّ ، وهو شدّة البرد ، وقال أيضا : لم يقيموا على المعصية ولم يواظبوا عليها ولم يلزموها ، وفي الكشّاف وتفسير القاضي : ولم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين ، فالّذي فهم منها أنّ الإصرار هو المداومة والمواظبة والإقامة على الفعل ، فلو فعل مرّة أو مرارا في أوقات لم يكن مصرّا ، وإن كان في عزمه العود إلى ذلك وهو بعيد ، فانّ الظاهر أنّ ذلك فسق ومناف للعدالة ، وبعيد عن المعنى اللّغويّ أيضا فإنّه أعمّ من ذلك ، ويمكن الفهم منهما أيضا أنّه ترك التوبة حيث قالا : غير مستغفرين. فأرادا بالاستغفار التوبة تفسيرا للإصرار ، فما لم يتب يكون مصرّا وهو أيضا بعيد إذ يلزم عدم الفرق بين الصّغيرة والكبيرة في أنّه لا يغفر إلّا مع التوبة ، ويكون بدونها فاسقا غير عدل ، والحال أنّ المشهور بين الفقهاء أنّ الصغيرة لا تضرّ ، وبعيد من المعنى اللّغويّ أيضا لأنّه أخصّ ، ولا يبعد أن يكون المراد هو المواظبة على القبيح ، أو العزم عليه ثانيا مع التذكّر ، فهو مناسب للمعنى اللّغوي وقواعد الفقهاء ، والمعنى المتعارف.
(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قال في مجمع البيان : معناه وهم يعلمون الخطيئة ذاكرين لها غير ساهين ، أو أنّهم يعلمون الحجّة في أنّها خطيئة ، وهي جملة حاليّة وقيد للمنفيّ لا النفي ، وهو ظاهر.
فالآية دلّت على تحريم الفاحشة والظلم ، ولو على نفسه ، بأن يجرح بدنه ويضربه ، بل يشتم نفسه ، وتحريم الإصرار ، وتحريم طلب مغفرة الذنوب إلّا من الله ، والترغيب على طلبه منه ، بل على وجوبه ووجوب التوبة ، ووجوب قبولها على الله بالمعنى المتقدّم ، وكون الجاهل معذورا بل الساهي أيضا ، وأنّ التائب