(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (١) قالوا الباء متعلّقة بلنت وما زائدة فيفيد الحصر ، أي ما كان لينه لهم إلّا برحمة من الله أي ربط الله على قلبه وتوفيقه للرفق حتّى كان يغتمّ صلىاللهعليهوآله لهم بعد أن خالفوه لأنّه سبب لعقابهم ، وتكرار الحجج والبراهين وتقريرها عليهم على وجه الشفقة واللّطف مرّة بعد اخرى ، وتواضعه لهم وتجاوزه عنهم وعدم مؤاخذته لهم إنّما هو برحمة الله سبحانه ، حيث جعله لينا حسن الخلق ، فهي تدلّ على أنّ حسن الخلق إنّما هو من عطاء الله وفضله ولا يحصل إلّا بتوفيقه ، وليس العبد مستقلا ، وليس مقتضى مزاجه كسائر الأمور المرغوبة وهو ظاهر.
(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) قيل : أي لو كنت جا في اللّسان سيّئ الكلام ، قاسي القلب ، صعبا غير لين تفرّقوا عنك ، وخلّوك وحدك فما آمنوا بك ، ولا يجادلوا معك عدوّا فلا يتمّ لك الأمر ، ففيه إشارة عظيمة إلى فائدة حسن الخلق ظاهرا وباطنا (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ويحتمل أن يكون المراد منه ومن ذلك اللّين أن تعفو عنهم ما بينك وبينهم من حقوقك ، فلا تؤاخذهم بها وأن تستغفر لهم الله فيما بينهم وبين الله ، ليغفر لهم باستغفارك ، ولا تعرض عنهم بمجرّد ذنب وإصرار ، بل أصلح حالهم بحسن الخلق (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) قيل أمر الدنيا والحرب ولقاء العدوّ ، وفي مثل ذلك يجوز أن تستعين برأيهم كما تستعين بيدهم وقتالهم مع العدوّ ، ويحتمل أن يكون بمجرّد إظهار اللين والتلطّف لا العمل بقولهم ورأيهم ، بل إن رأى صلىاللهعليهوآله صوابا عمل به لأنّه رأيه وأنّه صواب ، وإلّا بيّن خطأه وأظهر رأيا صوابا عندهم أيضا ، فالمشاورة لا يستلزم العمل برأيهم والاستعانة بذلك ، ولهذا ورد في مشاورة النساء : شاوروهنّ وخالفوهنّ بل فيها فوائد الأمن من اعتراضهم إذا وقع أمر يسوءهم وتطييب لقلوبهم واستمالة لهم بإظهار اعتبارهم وحسن المداراة والخلق معهم كما مرّ ، وترغيب للنّاس في المشاورة كما في الأخبار أيضا.
__________________
(١) آل عمران : ١٥٩.