(فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) قالوا إذا وطّنت نفسك على شيء ، بعد التأمّل والشورى ، فتوكّل عليه في إمضاء أمرك على ما هو الأصلح والأليق بحالك فانّ ما هو صلاح لك لا يعلمه إلّا الله ، لا أنت ولا مشاورك ، يعني لا تعتمد على رأيك ولا رأيهم وفعلك وفعلهم ، وإن أصبت الحقّ بذلك ، بل إن فعلت ذلك اعتقد أنّ الّذي هو صلاح لك وتفعله ويحصل لك إنّما هو بتسهيله تعالى إيّاه لك ، وإلهامك عليه وإعلامه بأنّه الأصلح ، حيث لقيت ما هو الرشاد ، سواء كان الّذي اقتضاه رأيك أم غيره ، فإنّ الأصلح لا يعلمه إلّا هو ، وإنّما أنت آلة ومكلّف بظاهر الأمر الّذي تجده نافعا ، وأمّا ما في نفس الأمر لا يعلمه إلّا الله فالّذي يجب من التوكّل عليه صلىاللهعليهوآله وعلى غيره ـ كما يدلّ عليه ما بعدها وغيرها حتّى أنّ في بعض الآيات إشارة إلى أنّ من لا توكّل له لا إيمان له كقوله (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) هو التوكّل بهذا المعنى يعني تفويض الأمر إلى الله ، واعتقاد أنّ الّذي تفعله قولا وفعلا وتجده صوابا لست بمستقلّ فيه ، بل إنّما هو بعناية الله وتوفيقه له إيّاك وإنّما أنت تفعل ما يظهر كونه مشروعا ونافعا لك مع اعتقاد أنّ إصابة الحقّ والصواب إنّما هو توفيقه تعالى وتسهيله ، فليس للمكلّف فيه دخل إلّا بطريق الآليّة والمحلّية والفاعليّة.
وكأنّ هذا معنى التوكّل الواجب الّذي فسّر في مجمع البيان بأنّه إظهار العجز والاعتماد على الغير والتوكّل على الله هو تفويض الأمر إليه والثقة بحسن تدبيره وأصله الاتّكال في فعل ما يحتاج إليه بمن يستند إليه ، ومنه الوكالة لأنّها عقد على الكفاية بالنيابة ، والوكيل هو المتوكّل عليه بتفويض الأمر إليه ، يعني جعل نفسه كالمعزول والمعدوم فيما يفعله ، مثلا إنّ من اتّجر للرزق أو زرع فوّض الأمر إلى الله بمعنى أنّه يعتقد أنّه يرزقه الرزق والمال والزرع ، فهما ليسا بفعله ، بل يفعله الله ، فهو الفاعل ، والمتّكل عليه ، والحافظ للكلّ ، إذ العبد والمال تحت قدرته ، فلو لم يوفّق له لم يحصل له شيء من الزرع والتجارة إلّا التعب ، وبالجملة النفع بالحقيقة
__________________
(١) المائدة : ٢٣.