المرويّ عن أبي عبد الله عليهالسلام وهذا مؤيّد لصحّة ما تقدّم ، والطعام في عرف بعض النّاس عبارة عن البرّ والشعير فيمكن إطلاقه على كلّ الحبوب للمناسبة وهو في الأصل من الطعم بمعنى المطعوم فيصدق على كلّ مطعوم ، ويمكن تخصيصه بما تقدّم لدليل من خارج ، وقيل المراد أعمّ كما هو الظاهر فكلّ ما يصدق عليه طعامهم فهو حلّ ما لم يعلم تحريمه من دليل مثل المغصوب والنجس.
وهذا القول غير بعيد لأنّه المتبادر فينبغي الحمل عليه ، وليس طعامهم من حيث أنّه طعامهم حراما عليكم بل هو وغيره سواء ، فيجب أن يخرج عنه ما علم تحريمه بدليل فيخصّص كسائر العمومات فتكون ذبائحهم وما باشروه بالرطوبة قبل تطهيره خارجا عنه وحراما على تقدير ثبوت تحريم ذبائحهم ونجاستهم كما هو ظاهر أكثر الأصحاب ، والكتابيّ من له كتاب فيعمّ جميع أهل الكتاب ولا يدخل فيه غيرهم ، وإن كان طعامهم أيضا بهذا المعنى حلالا لنا ويكون تخصيص أهل الكتاب للسّؤال أو لكثرة الحاجة إليهم والمخالطة والمعاملة معهم دون الحربيّ ، وكذا يحلّ لهم طعامنا فيجوز لنا أن نعطيهم إيّاه بالبيع وسائر المعاملات بل بلا عوض.
فهذه الآية تدلّ على جواز إعطائهم عطيّة فافهم قال في مجمع البيان وطعامكم يحلّ لكم أن تطعموهم.
الثالثة : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).
مضمونها حصر التحريم في جميع الانتفاعات بما مات بغير ذكاة شرعا وبغير التسمية فإنّه يعلم اعتبارها من أهلها ، أو يكون تخصيصا بعد تعميم أو أكله لكنّ الأوّل أولى كما بيّن في الأصول إلّا أن يكون هناك قرينة دالّة على الأكل ونحوه ولا يبعد هنا حيث ذكر الأكل قبله وبعده أيضا وهو المتبادر منها ومن لحم الخنزير فيفهم تحريم باقي الانتفاعات من دليل آخر وهو الأخبار ولعلّه الإجماع أيضا والدم وهو
__________________
(١) البقرة : ١٧٣.