الملائم بما أنّه ملائمٌ ، والألم إدراك المنافي بما أنّه مناف. فهما من الكيف بما أنّهما من سنخ الإدراك.
وينقسمان بإنقسام الإدراك فمنهما حسيٌّ وخياليٌّ وعقليٌّ؛ فاللذّة الحسيّة كإدراك النفس الحلاوةَ من طريق الذوقِ والرائحةَ الطيّبة من طريق الشمّ؛ واللذّةُ الخياليّة إدراكها الصورةَ الخياليّةَ من بعض الملذّات الحسيّة؛ واللذّة العقليّة إدراكها بعضَ ما نالَتْه من الكمالات الحقّة العقليّة ، واللذّة العقليّة أشدّ اللذائذ وأقواها لتجرُّدِها وثباتها.
والألم الحسيّ والخياليّ والعقليّ على خلاف اللذّة في كلّ من هذه الأبواب.
واللذّة على أيّ حال وجوديّةٌ ، والألم عدميٌّ يقابلها تقابُلَ العدم والملكة.
لا يقال (١) : لا ريب في أنّ الألم شرٌّ بالذات ، وإذ كان هو إدراك المنافي بما أنّه مناف كان أمراً وجوديّاً ، لأنّ الإدراك أمرٌ وجوديٌّ ، وبهذا ينفسخ قولهم : «إنّ الشرّ عدم لا غير».
لأنّه يقال (٢) : وجودُ كلِّ شيء هو نفس ذلك الشيء ذهنيّاً كان أو خارجيّاً ، فحضور أيّ أمر عدميٍّ عند المدرك هو نفسُ ذلك الأمر العدميّ لاتّحاد الوجود والماهيّة والعلم والمعلوم ، فالألم الموجود في ظرف الإدراك مصداق للألم ، وهو بعينه الألم العدميّ الذي هو شرٌّ بالذات.
تنبيهٌ :
ما مرّ من القول في الكيف وأحكامه وخواصّه هو المأثور من الحكماء المتقدّمين. وللمتأخّرين من علماء الطبيعة خوضٌ عميقٌ فيما عَدَّه المتقدّمون من
__________________
(١) هذا الإشكال أورده الفخر الرازيّ على الشيخ الرئيس في شرحه للإشارات ، فراجع شرحي الإشارات ج ٢ ص ٨٨ ـ ٨٩ وتعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ج ٤ ص ١٢٦ ، وج ٧ ص ٦٣ ، والحكيم السبزواريّ في شرح الأسماء الحسنى ص ٢٥٣.
(٢) والقائل صدر المتألّهين في الأسفار ج ٤ ص ١٢٦ ، وج ٧ ص ٦٣ ـ ٦٦. وقد بسط الكلام في الإشكال المذكور والجواب عنه الحكيم السبزواريّ في شرح الأسماء الحسنى ص ٢٥٣ ـ ٢٥٨.