به السلب والإيجاب من حيث الاضافة إلى مضمون القضيّة بعينه.
وقد ظهر أيضاً أنّ قولهم : «نقيض كلِّ شيء رفعُهُ» (١) ، اُريد فيه بالرفع الطردُ الذاتيّ ، فالإيجاب والسلب يطّرد كلٌّ منهما بالذات ما يقابله.
وأمّا تفسير من فَسَّر الرفع بالنفي والسلب (٢) فَصَرَّح بأنّ نقيضَ الإنسان هو اللاإنسان ، ونقيضَ اللاإنسان اللا لاإنسان ، وأمّا الإنسان فهو لازم النقيض وليس بنقيض ، فلازُمُ تفسيرِهِ كونُ تقابُلِ التناقض من جانب واحد دائماً ، وهو ضروريُّ البطلان.
ومن أحكام تقابُلِ التناقض أنّ تقابُلَ النقيضَيْن إنّما يتحقّق في الذهن أو في اللفظ بنوع من المجاز ، لأنّ التقابل نسبةٌ قائمةٌ بطرفَيْن ، وأحد الطرفَيْن في المتناقضَيْن هو العدم ، والعدم اعتبارٌ عقليٌّ لا مصداقَ له في الخارج.
وهذا بخلاف تقابل العدم والملكة ، فإنّ العدم فيه ـ كما سيأتي إن شاء الله (٣) ـ عدم مضاف إلى أمر موجود ، فله حظٌّ من الوجود ، فالتقابل فيه قائم في الحقيقة بطرفَيْن موجودَيْن.
ومن أحكام هذا التقابل إمتناع الواسطة بين المتقابلَيْن به ، فلا يخلو شيءٌ من الأشياء عن صدق أحد النقيضَيْن ، فكلّ أمر مفروض إمّا هو زيد مثلا أو ليس بزيد ، وإمّا هو أبيض أو ليس بأبيض ، وهكذا ، فكلّ نقيضَيْن مفروضَيْن يعمّان جميع الأشياء.
ومن أحكام هذا التقابل أنّ النقيضين لا يصدقان معاً ولا يكذبان معاً ، على سبيل القضيّة المنفصلة الحقيقيّة ـ كما تقدّمت الإشارة إليه (٤) ـ وهي قولنا : «إمّا أن يصدق الإيجاب أو يصدق السلب».
وهي قضيّةٌ بديهيّةٌ أوّليّةٌ يتوقّف عليها صدقُ كلّ قضيّة مفروضة ، ضروريّةً كانت أو نظريّةً.
فليس يصدق قولنا : «الأربعة زوجٌ» ،
__________________
ص ١٩٢ : «وهو راجع إلى القول والعقل» ثمّ فسّر القول بالوجود اللفظيّ والعقل بالوجود الذهنيّ ، فراجع.
(١) راجع شرح المطالع ص ١٧٠.
(٢) كذا يستفاد من كلام قطب الدين الشيرازيّ في شرح حكمة الإشراق ص ٨٨.
(٣) في الفصل الآتي.
(٤) في ابتداء هذا الفصل.