بيان ذلك : أنّ كلَّ ماهيّة من الماهيّات بل كلّ مفهوم من المفاهيم منعزلٌ بذاته عن غيره من أيٍّ مفهوم مفروض ، وليس ذلك من التضادّ في شيء وإن كان يصدق عليه سلب غيره؛ وكذا كلُّ نوع تامّ بوجوده الخارجيّ وآثاره الخارجيّة مباين لغيره من الأنواع التامّة بماله ولآثاره من الوجودالخارجيّ ، لا يتصادقان ـ بمعنى أن يطرد الوجودُ الخاصّ به الطاردُ لعدمِهِ عدمَ نوع آخر بعينه ـ فليس ذلك من التقابل والتضادّ في شيء.
وإنّما التضادّ ـ وهو التقابل بين أمرين وجوديَّيْن ـ أن يكون كلٌّ من الأمرين طارداً بماهيّته الأمرَ الآخر ، ناظراً إليه ، آبياً للاجتماع معه وجوداً.
ولازِمُ ذلك أوّلا : أن يكون هناك أمرٌ ثالثٌ يوجدان له ويتّحدان به ، والأمر الذي يوجد له الأمر الوجوديّ ويتّحد به ، هو مطلق الموضوع الأعمّ من محلّ الجوهر وموضوع العرض ، لكنّ الجواهر لا يقع فيها تضادّ ـ كما سيجيء (١) ـ ، فالمتعيّن أن يكونا عرضَيْن ذَوَي موضوع واحد.
وثانياً : أن يكون النوعان بما أنّ لكلٍّ منهما نظراً إلى الآخر متطاردَيْن كلٌّ منهما يطّرد الآخرَ بفصله الذي هو تمام نوعيّته.
والفصل لا يطرد الفصلَ إلاّ إذا كانا جميعاً مقسمَيْن لجنس واحد ، أي أن يكون النوعان داخلَيْن تحت جنس واحد قريب ، فافهم ذلك.
ولا يرد عليه (٢) : أنّ الفصلَ ، لكونه جزء الماهيّة ، غيرُ مستقلٍّ في الحكم ، والحكم للنوع.
لأنّ الفصل عين النوع محصّلا ، فحكمه حكم النوع بعينه (٣) ؛ على أنّ الأجناس العالية من المقولات العشر لا يقع بينها تضادّ ، لأنّ الأكثر من واحد منها يجتمع في محلٍّ واحد ، كالكمّ والكيف وسائر الأعراض تجتمع في جوهر واحد جسمانيٍّ ، وكذا بعض الأجناس المتوسطة الواقعة تحت بعضِها مع بعض واقع تحت آخر ، وكذا الأنواع الأخيرة المندرجة تحت بعضها مع بعضِ الأنواع الأخيرة
__________________
(١) في السطور الآتية من هذا الفصل.
(٢) هذا الايراد تعرّض له في الأسفار ج ٢ ص ١١٥.
(٣) كذا أجاب عنه صدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ١١٦.