المندرجة تحت بعض آخر.
فالتضادّ إنّما يقع بالإستقراء في نوعَيْن واقعَيْن تحت جنس قريب من المقولات العرضيّة ، كالسواد والبياض المعدودَيْن من الكيفيّات المبصرة عندهم ، وكالتهوّر والجبن من الكيفيّات النفسانيّة.
وأمّا اعتبار غاية الخلاف بين المتضادّين فإنّهم حَكَموا بالتضادّ بين اُمور ، ثمّ عَثَروا باُمور متوسطة بين المتضادّين نسبيّة ، كالسواد والبياض المتضادَّين ، وبينهما من الألوان الصفرة والحمرة والخضرة ، وهي بالنسبة إلى السواد من البياض وبالنسبة الى البياض من السواد ، وكالتهوّر والجبن المتوسط بينهما الشجاعة ، فاعتَبَروا أن يكون الضدّ في غاية الخلاف ونهاية البُعد من ضدّه.
وهذا هو الموجب لنفيهم التضادَّ بين الجواهر ، فإنّ الأنواع الجوهريّة لا يوجد فيها ما هو نسبيٌّ مقيسٌ إلى طرفين ، ولا نوعان متطرّفان بينهما غاية الخلاف.
ومن أحكام التضادّ أنّه لايقع بين أزيد من طرفَيْن لأنّه تقابُلٌ ، والتقابل نسبةٌ ، ولا تتحقّق نسبةٌ واحدةٌ بين أزيد من طرفين.
وهذا حكمٌ عامٌّ لجميع أقسام التقابل.
قال في الأسفار : «ومن أحكام التضادّ ـ على ما ذكرناه من إعتبار غاية التباعد ـ أنّ ضدَّ الواحد واحدٌ ، لأنّ الضدَّ على هذا الاعتبار هو الذي يلزم من وجودِهِ عدمُ الضدّ الآخر؛ فإذا كان الشيء وحدانيّاً وله أضداد ، فإمّا أن تكون مخالفتها مع ذلك الشيء من جهة واحدة أو من جهات كثيرة ، فإن كانت مخالفتها له من جهة واحدة فالمضادّ لذلك الشيء بالحقيقة شيءٌ واحدٌ وضدٌّ واحدٌّ وقد فُرِضَ أضداداً ، وإن كانت المخالفة بينها وبينه من جهات عديدة فليس الشيء ذا حقيقة بسيطة ، بل هو كالإنسان الذي يضادّ الحارّ من حيث هو بارد ، ويضادّ البارد من حيث هو حارّ ، ويضادّ كثيراً من الأشياء لاشتماله على أضدادها.
فالتضادّ الحقيقيّ إنّما هو بين الحرارة والبرودة والسواد والبياض ، ولكلِّ واحد من الطرفين ضدٌّ واحد. وأمّا الحارّ والبارد فالتضادّ بينهما بالعرض» (١) إنتهى.
__________________
(١) راجع الأسفار ج ٢ ص ١١٤.