ممكنٌ سيقع يفعله ، وما عَلِمَ منه أنّه محالٌ لا يقع لا يفعله ، واختار آخرون (١) أنّ أفعاله (تعالى) تابعة للمصالح وإن كنّا غير عالِمين بها ، فما كان منها ذا مصلحة في وقت تفوت لو لم يفعله في ذلك الوقت فَعَلَه في ذلك الوقت دون غيره (٢).
قلت : معنى كونه (تعالى) فاعلا مختاراً أنّه ليس وراءه (تعالى) شيءٌ يجبره على فعل أو ترك فيوجبه عليه ، فإنّ الشيء المفروض إمّا معلول له وإمّا غير معلول ، والثاني محالٌ ، لأنّه واجبٌ آخر أو فعلٌ لواجب آخر وأدلّة التوحيد تبطله ، والأوّل أيضاً محالٌ ، لاستلزامه تأثيرَ المعلول بوجوده القائم بالعلّة المتأخّر عنها في وجود علّته التي يستفيض عنها الوجود.
فكون الواجب (تعالى) مختاراً في فعله لا ينافي إيجابَهُ الفعلَ الصادرَ عن نفسه ولا ايجابُهُ الفعل ينافي كونَه مختاراً فيه.
وأمّا حدوث العالم ـ بمعنى ما سوى الواجب ـ حدوثاً زمانيّاً ، فمعنى حدوث العالم حدوثاً زمانيّاً كونه مسبوقاً بقطعة من الزمان خالية من العالَم ليس معه إلاّ الواجب (تعالى) ولا خَبَرَ عن العالم بعدُ ، والحال أنّ طبيعة الزمان طبيعة كميّة
__________________
نافذة في جميع مراداته على حسب علمه بها ، فما علم كونه أراد كونه في الوقت الذي علم أنّه يكون فيه ، وما علم انّه لا يكون أراد أن لا يكون. راجع الفَرْق بين الفِرَق ص ٢٥٩. وقريبٌ منه ما يُنسب إلى الحسين بن محمّد النجّار الذي كان يقول : «إنّ الله لم يزل مريداً أن يكون في وقته ما علم أنّه يكون وقته ، مريداً أن لا يكون ما علم أنّه لا يكون». راجع مقالات الإسلامييّن ج ١ ص ٣١٥. وتعرّض لهذا القول الفخر الرازيّ في المباحث المشرقية ج ١ ص ٤٧٩ من دون اشارة إلى قائله.
(١) وهم جمهور قدماء المعتزلة ، كما قال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة ص ٨٥ : «وقيل ـ القائل هو المعتزلي ـ إنّ المرجّح علم ربّنا (تعالى وتقدّس) بالأصلح». ونُسب إليهم أيضاً في شرح الإشارات ج ٣ ص ١٣١ ، والأسفار ج ٦ ص ٣٢٥ ، وشرح المواقف ص ٢٩٠ ، وشرح المقاصد ج ١ ص ٢٣٦ ، وكشف الفوائد ص ٤٧.
(٢) وفي المقام قولٌ آخر منسوب إلى أبي القاسم البلخي المعروف بالكعبيّ ، وهو القول بأنّ مخصّص الحدوث ذات الوقت على سبيل الوجوب. راجع شرح الإشارات ج ٣ ص ١٣١ ، وشرح المنظومة ص ٨٥ ، والأسفار ج ٦ ص ٣٢٥.