ويُبطل معه العلم من رأس ، على أنّ فيه اعترافاً ببطلان أصل الدعوى.
وأمّا قول القائل (١) بجواز أن يختار الفاعل المختار أحد الأمرين المتساويين دون الآخر لا لمرجّح يرجّحه ، وقد مثّلوا له (٢) بالهارب من السَّبُع إذا عَنَّ له طريقان متساويان فإنّه يختار أحدهما لا لمرجّح.
ففيه : أنّه دعوى من غير دليل ، وقد تقدّمت الحجّة (٣) أنّ الممكن المتساوي الجانبين يحتاج في ترجُّح أحد الجانبين إلى مرجّح (٤).
فإن قيل (٥) : إنّ المرجّح هو الفاعل مثلا بإرادته كما مرّ في مثال الهارب من السَّبُع.
اُجيب : بأنّ مرجعه إلى القول الآتي ، وسيأتي بطلانه (٦).
وأمّا مثال الهارب من السَّبُع فممنوعٌ ، بل الهارب المذكور على فرض التساوي من جميع الجهات يقف في موضعه ولا يتحرّك أصلا.
على أنّ جواز ترجّح الممكن من غير مرجّح ينسدّ به طريق إثبات الصانع (تعالى) (٧).
وأمّا قول القائل (٨) : «إنّ الارادة مرجّحة بذاتها يتعيَّن بها أحد الأفعال
__________________
(١) راجع شرح المواقف ص ٢٩٠ ، ومثّلوا له أيضاً بقدحي العطشان ، ورغيفي الجائع.
(٢) راجع شرح المواقف ص ٢٩٠ ، ومثّلوا له أيضاً بقدحي العطشان ، ورغيفي الجائع.
(٣) راجع الفصلين الخامس والسادس من المرحلة الرابعة من المتن.
(٤) هكذا أجابت عنه الفلاسفة. راجع المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٤٨٠ ، والأسفار ج ٢ ص ١٣٦ ، وتعليقة المصنّف (رحمه الله) على الأسفار ج ٧ ص ٢٩٨.
(٥) والقائل صاحب المواقف ، حيث قال : «لا أقول لا يكون للفعل مرجّح على عدمه ، فإنّ الهارب بإرادته مرجّح ايّاه على عدمه ، بل أقول لا يكون إليه ـ أي إلى الفعل ـ داع باعثٌ للفاعل عليه من اعتقاد النفع أو ميل تابع له».
(٦) في السطور الآتية.
(٧) هذا أوّل الوجهين اللذين ذكرهما الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٤٨٠ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ١٣٤.
(٨) والقائل جمهور المتكلّمين من أصحاب أبي الحسن الأشعري ، كما مرّ.