لشيء ، وخاصيّة الطرف الآخر أنّه علّةٌ للكلِّ غيره ، وخاصيّة الوسط أنّه علّةٌ لطرف ومعلولٌ لطرف سواء كان الوسط واحداً أو فوق واحد.
وإن كان فوق واحد فسواء ترتّب ترتيباً متناهياً أو غير متناه ، فإنّه إن ترتّب في كثرة متناهية كانت جملة عدد ما بين الطرفين كواسطة واحدة تشترك في خاصيّة الواحدة بالقياس إلى الطرفين فيكون لكلّ من الطرفين خاصيّة ، وكذلك إن ترتّب في كثرة غير متناهية فلم يحصل الطرف كان جميع غير المتناهي في خاصيّة الواسطة ، لأنّك أيَّ جملة أخذْتَ كانت علّةً لوجود المعلول الأخير وكانت معلولة ، إذ كلّ واحد منها معلول ، والجملة متعلّقة الوجود بها ، ومتعلّقة الوجود بالمعلول معلولٌ ، إلاّ أنّ تلك الجملة شرطٌ في وجود المعلول الأخير وعلّةٌ له ، وكلّما زدت في الحصر والأخذ كان الحكم إلى غير النهاية باقياً.
فليس يجوز أن تكون جملةُ عِلَل موجودةً وليس فيها علّة غير معلولة وعلّة أولى ، فإنّ جميع غير المتناهي كواسطة بلا طرف ، وهذا محال» (١).
برهانٌ آخر : ـ وهو المعروف بالأسدّ الأخصر ـ للفارابيّ (٢) ، أنّه إذ كان ما من واحد من آحاد السلسلة الذاهبة بالترتيب بالفعل لا إلى نهاية إلاّ وهو كالواحد في أنّه ليس يوجد إلاّ ويوجد آخر وراءه من قبل ، كانت الآحاد اللامتناهية بأسْرِها يصدق عليها أنّها لا تدخل في الوجود ما لم يكن شيءٌ من ورائها موجوداً من قبل.
فإذن بداهة العقل قاضية بأنّه من أين يوجد في تلك السلسة شيءٌ حتّى يوجد شيءٌ ما بعده؟ (٣).
وهناك حُجَجٌ اُخرى أُقيمت على استحالة التسلسل (٤) لايخلوأكثرهامن مناقشة.
__________________
(١) راجع الفصل الأوّل من المقالة الثامنة من إلهيات الشفاء.
(٢) نُسب إليه في الأسفار ج ٢ ص ١٦٦ ، وشرح المنظومة ص ١٣٦.
(٣) راجع الأسفار ج ٢ ص ١٦٦.
(٤) وان شئت تفصيل ما أقاموا على استحالة التسلسل فراجع الأسفار ج ٢ ص ١٤١ ـ ١٦٩ ،