ويردّ الثاني أنّه وإن لم يستلزم حاجته (تعالى) إلى غيره واستكماله بالغايات المترتّبة على أفعاله وانتفاعه بها ، لكن يبقى عليه لزومُ إرادة العالي للسافل وطلبُ الأشرف للأخسّ.
فلو كانت غايُتُه ـ التي دعَتْه إلى الفعل وتوقّف عليها فعله ، بل فاعليّته ـ هي التي تترتّب على الفعل من الخير والمصلحة لكان لغيره شيء من التأثير فيه ، وهو فاعلٌ أوّلُ تامُّ الفاعليّة لا يتوقّف في فاعليّته على شيء.
بل الحقّ ـ كما تقدّم (١) ـ أنّ الفاعل بما هو فاعل لا غايةَ لفعله بالحقيقة إلاّ ذاته الفاعلة بما هي فاعلة ، لا يبعثه نحو الفعل إلاّ نفسه ، وما يترتّب على الفعل من الغاية غايةٌ بالتبع ، وهو (تعالى) فاعلٌ تامُّ الفاعليّة وعلّةٌ أُولى ، إليها تنتهي كلُّ علّة ، فذاته (تعالى) بما أنّه عين العِلْم بنظام الخير غايةٌ لذاته الفاعلة لكلّ خير سواه ، والمبدأ لكلّ كمال غيرُه.
ولا يناقض قولُنا : «إنّ فاعليّة الفاعل تتوقّف على العلّة الغائيّة» الظاهرُ في المغايرة بين المتوقَّف والمتوقَّف عليه ، قولَنا : «إن غاية الذات الواجبة هي عين الذات المتعالية».
فالمراد بالتوقّف والاقتضاء في هذا المقام المعنى الأعمّ الذي هو عدم الانفكاك.
فهو ـ كما أشار إليه صدر المتألّهين (٢) ـ من المسامحات الكلاميّة التي يعتمد فيها على فهم المتدّرب في العلوم ، كقولهم في تفسير الواجب بالذات : «إنّه الأمر الذي يقتضي لذاته الوجودَ. وإنّه موجود واجب لذاته» الظاهر في كون الذات علّةً لوجوده ووجوده عينه.
وبالجملة ، فعِلْمه (تعالى) في ذاته بنظام الخير غايةٌ لفاعليّته التي هي عين الذات ، بل الإمعان في البحث يعطي أنّه (تعالى) غايةُ الغايات.
فقد عرفت (٣) أنّ وجود كلِّ معلول ـ بما أنّه معلولٌ ـ رابطٌ بالنسبة إلى علّته لا يستقلّ دونها. ومن المعلوم أنّ التوقّف لا يتمّ معناه دون أن يتعلّق بمتوقّف عليه لنفسه ، وإلاّ لتسلسل. وكذا الطلب والقصد والإرادة والتوجّه وأمثالها لا تتحقّق بمعناها إلاّ بالإنتهاء إلى
__________________
(١) حيثُ قال : «فظهر ممّا تقدّم أوّلا ...».
(٢) راجع الأسفار ج ٢ ص ٢٧٢.
(٣) في الفصل الأوّل من هذه المرحلة.