إنسان وذاك فرس وذلك شجر ونحو ذلك ، وتارةً بأنّ هذا بالفعل وذاك بالقوّة وهذا واحد وذاك كثير وهذا حادث وذاك قديم وهذا ممكن وذاك واجب وهكذا.
وقد ثبت بما أوردناه في الفصل السابق (١) أنّ الكثرة من الجهة الأُولى ـ وهي الكثرة الماهويّة ـ موجودةٌ في الخارج بعَرْضِ الوجود ، وأنّ الوجود متّصفٌ بها بعَرْضِ الماهيّة ، لمكان أصالة الوجود وإعتباريّة الماهيّة.
وأمّا الكثرة من الجهة الثانية فهي التي تعرض الوجود من جهة الإنقسامات الطارئة عليه نفسَه ، كإنقسامه إلى الواجب والممكن وإلى الواحد والكثير وإلى ما بالفعل وما بالقوّة ونحو ذلك ، وقد تقدّم في الفصل السابق (٢) أنّ الوجود بسيط وأنّه لا غير له.
ويستنتج من ذلك أنّ هذه الكثرة مقوّمةٌ للوجود ـ بمعنى أنّها فيه غير خارجة منه ـ ، وإلاّ كانت جزءاً منه ، ولا جزءَ للوجود ، أو حقيقةً خارجةً منه ولا خارجَ من الوجود.
فللوجود كثرةٌ في نفسِهِ ، فهل هناك جهةُ وحدة ترجع إليها هذه الكثرة من غير أن تبطل بالرجوع ، فتكون حقيقةُ الوجود كثيرةً في عين أنّها واحدةٌ ، وواحدةً في عين أنّها كثيرةٌ؛ وبتعبير آخر : حقيقةً مشكّكةً ذاتَ مراتب مختلفة يعود ما به الإمتياز في كلّ مرتبة إلى ما به الإشتراك ـ كما نُسب إلى الفهلويّين (٣) ـ ، أو لا جهةَ وحدة فيها ، فيعود الوجود حقائقَ متباينةً بتمام الذات ، يتميّز كلّ منها من غيره بتمام ذاته البسيطة لا بالجزء ولا بأمر خارجيٍّ ـ كما نُسب إلى المشّائين (٤) ـ؟
الحقّ أنّها حقيقةٌ واحدةٌ في عين أنّها كثيرةٌ (٥) ، لأنّا ننتزع من جميع مراتبها
__________________
(١) أي الفصل الثاني من هذه المرحلة.
(٢) في الفرع الثالث من الفروع المذكورة في الفصل الثاني.
(٣ و ٤) راجع شرح المنظومة ص ٢٢ ـ ٢٣ و ٤٣ ـ ٤٤ ، والأسفار ج ١ ص ٤٣٢ ـ ٤٣٣.
(٥) إنّ الأقوال في حقيقة الوجود ثمانية :
الأوّل : ما ذهب إليه الأشاعرة ، وهو أنّ الوجود مشترك لفظيُّ مطلقاً أي في جميع ما يطلق عليه لفظ الوجود من الواجب والممكن بأقسامه.