مؤلَّفة من أجرام صِغار صِلَبَه منبثّة في خلاء غير متناه ، وهي متشاكلة الطبائع مختلفة الأشكال دائمة الحركة ، فاتّفق أن تصادفت منها جملة اجتمعت على هيأة خاصّة ، فكان هذا العالم ، ولكنّه زعم أنّ كينونة الحيوان والنبات ليس باتّفاق.
ونُسِبَ إلى أنباذقلس (١) أنّ تكوُّنَ الأجرام الاسطقسيّة بالاتّفاق ، فما اتّفق منها أن اجتمعت على نحو صالح للبقاء والنسل بقى ، وما اتّفق أن لم يكن كذلك لم يبقَ وتلاشى.
وقد احتجّ على ذلك بعدّة حُجَج (٢).
الحجّة الاُولى : أنّ الطبيعة لا رويّةَ لها ، فكيف تفعل فِعْلَها لأجل غاية؟
واُجيب عنها (٣) : بأنّ الرويّة لا تجعل الفعلَ ذا غاية ، وإنّما تميّز الفعلَ من غيره وتعيَّنه ، ثمّ الغاية تترتّب على الفعل لذاتها لا بجعل جاعل ، فاختلاف الدواعي والصوارف هو المحوج لإعمال الرويّة المعيّنة ، ولولا ذلك لم يحتج إليها ، كما أنّ الأفعال الصادرة عن الملكات كذلك ، فالمتكلّم بكلام يأتي بالحرف بعد الحرف على هيئاتها المختلفة من غير رويّة يتروّى بها ، ولو تروّى لتبلَّد وانقطع عن الكلام.
وكذا أرباب الصناعات في صناعاتهم لو تروّى في ضمن العمل واحد منهم لتبلَّدَ وانقطع.
الحجّة الثانية : أنّ في نظام الطبيعة أنواعاً من الفساد والموت ، وأقساماً من الشرّ والمساءة في نظام لا يتغيّر عن أسباب لا تتخلّف ، وهي غير مقصودة للطبيعة ، بل لضرورة المادّة ، فلنحكم أنّ أنواع الخير والمنافع المترتّبة على فعل الطبيعة أيضاً على هذا النمط من غير قصد من الطبيعة ولا داع يدعوها إلى ذلك.
واُجيب عنها (٤) : بأنّ ما كان من هذه الشرور من قبيل عدم بلوغ الفواعل
__________________
(١) قد نَسب إليه الشيخ الرئيس في الفصل الرابع عشر من المقالة الاُولى من الفن الاُوّل من طبيعيات الشفاء.
(٢) وتعرّض لها الشيخ الرئيس في الفصل الرابع عشر من المقالة الاُولى من طبيعيات الشفاء.
(٣) والمجيب صدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٢٥٧ ، وشرح الهداية الأثيريّة ص ٢٤٢.
(٤) والمجيب أيضاً صدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، وشرح الهداية الأثيريّة ص ٢٤٣.