قطعاً ، وبتحقّقها يتحقّق الفعل الذي هو تحريك العضلات بواسطة القوّة العاملة المنبثّة فيها.
هذا ما يكشف البحث عن القدرة التي عندنا من القيود التي فيها ، وهي المبدئيّة للفعل والعلم بأنّه خيرٌ للفاعل ، علْماً يلازم كونه مختاراً في فعله والشوق إلى الفعل والإرادة له ، وقد تحقّق (١) أنّ كلَّ كمال وجوديٍّ في الوجود فإنّه موجود للواجب (تعالى) في حدّ ذاته ، فهو (تعالى) عين القدرة الواجبيّة ، لكن لا سبيل لتطرّق الشوق عليه ، لكونه كيفيّةً نفسانيّةً تلازم الفقدَ ، والفقد يلازم النقصَ ، وهو (تعالى) منزّه عن كلّ نقص وعدم.
وكذلك الإرادة التي هي كيفيّة نفسانيّة غير العلم والشوق ، فإنّها ماهيّة ممكنة ، والواجب (تعالى) منزّه عن الماهيّة والإمكان؛ على أنّ الإرادة بهذا المعنى هي مع المراد إذا كان من الاُمور الكائنة الفاسدة لا توجد قبله ولا تبقى بعده ، فاتّصاف الواجب (تعالى) بها مستلزم لتغيُّرِ الموصوف ، وهو محال.
فتحصّل أنّ القدرة المجردّة عن النواقص والأعدام هي كون الشيء مبدأً فاعليّاً للفعل عن علْم بكونه خيراً واختيار في ترجيحه ، والواجب (تعالى) مبدأٌ فاعليٌّ لكلّ موجود بذاته ، له علم بالنظام الأصلح في الأشياء بذاته ، وهو مختار في فعله بذاته ، إذ لا مؤثّر غيره يؤثّر فيه ، فهو (تعالى) قادر بذاته. وما أوردناه من البيان يجري في العقول المجرّدة أيضاً.
فإن قلت : ما سلكتموه من الطريق لإثبات القدرة للواجب (تعالى) خِلْوٌ عن إثبات الإرادة بما هي إرادةٌ له ، والذي ذكروه في تعريف القدرة بـ «أنّها كون الشيء بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل» (٢) يتضمّن إثبات الإرادة صفةً ذاتيّة للواجب مقوّمةً للقدرة ، غير أنّهم (٣) فسّروا الإرادة الواجبيّة بـ «أنّها علْمٌ
__________________
(١) راجع الفصل السادس من هذه المرحلة.
(٢) راجع الأسفار ج ٦ ص ٣٠٧ وج ٤ ص ١١٢ ، وشرح المنظومة ص ١٧٧.
(٣) أي الحكماء.