بالنظام الأصلح» (١).
قلت : ما ذكروه في معنى القدرة يرجع إلى ما أوردناه في معناها المتضمّن للقيود الثلاثة : المبدئيّة والعلم والاختيار ، فما ذكروه في معنى قدرته (تعالى) حقّ. وإنّما الشأن كلّ الشأن في أخْذِهم (٢) علْمَه (تعالى) مصداقاً للإرادة ، ولا سبيلَ إلى اثبات ذلك ، فهو أشبه بالتسمية.
فإن قلت : من الجائز أن يكون لوجود واحد مّا بحسب نشأته المختلفة ماهيّاتٌ مختلفةٌ ومراتبُ متفاوتةٌ ، كالعلم الذي إذا تعلّق بالخارج منّا هو كيف نفسانيّ وإذا تعلّق بنفوسنا جوهر نفسانيّ ، وعلم العقل بذاته جوهر عقليّ وعلم الواجب بذاته واجب بالذات وعلم الممكن بذاته ممكن بالذات ، فكون الإرادة التي فينا كيفاً نفسانيّاً لا يدفع كون إرادة الواجب لفعله هو علمه الذاتيّ.
ثمّ إنّ من المسلّم أنّ الفاعل المختار لا يفعل ما يفعل إلاّ بإرادة ومشيّة ، والواجب (تعالى) فاعلٌ مختارٌ فله إرادة لفعله ، لكنّ الإرادة التي فينا وهي الكيف النفسانيّ غير متحقّقة هناك ، وليس هناك إلاّ العلم وما يلزمه من الإختيار ، فعلمه (تعالى) هو إرادته ، فهو (تعالى) مريد بما أنّه عالم بعلمه الذي هو عين ذاته.
قلت : الذي نتسلّمه أنّ الفاعل المختار من الحيوان لا يفعل ما يفعل إلاّ عن علم بمصلحة الفعل وإرادة بمعنى الكيف النفسانيّ ، وأنّ الواجب (تعالى) لا يفعل ما يفعل إلاّ عن علم بمصلحة الفعل وأمّا أنّ هذا العلم الذي هناك وجوده وجود الإرادة والمشيّة وإن لم تكن ماهيّته هي الكيف النفسانيّ فغير مسلّم ، نعم لنا أن ننتزع الإرادة من مقام الفعل كسائر الصفات الفعليّة ، كما تقدّمت الإشارة إليه في البحث عن صفات الفعل (٣) وسيجيء (٤).
وبالجملة لا دليل على صدق مفهوم الإرادة على علم الواجب (تعالى) بالنظام
__________________
(١) راجع الأسفار ج ٤ ص ١١٤ ، والتعليقات للشيخ ص ١٦ ـ ١٧.
(٢) أي الحكماء.
(٣) راجع آخر الفصل العاشر من هذ المرحلة.
(٤) راجع آخر هذا الفصل.