الأصلح ، فإنّ المراد بمفهومها إمّا هو الذي عندنا فهو كيفيّة نفسانيّة مغايرة للعلم ، وإمّا مفهوم آخر يقبل الصدق على العلم بأنّ الفعل خيرٌ ، فلا نعرف للارادة مفهوماً كذلك ، ولذا قدّمنا (١) أنّ القول بأنّ علم الواجب (تعالى) بالنظام الأحسن إرادةٌ منه (٢) ، أشبه بالتسمية.
ولا ينبغي أن يقاس الإرادة بالعلم الذي يقال إنّه كيفيّة نفسانيّة ثمّ يجرّد عن الماهيّة ويجعل حيثيّة وجوديّة عامّة موجودة للواجب (تعالى) وصفاً ذاتيّاً هو عين الذات. وذلك لأنّا ولو سلّمنا أنّ بعض مصاديق العلم وهو العلم الحصوليّ كيفٌ نفسانيٌّ ، فبعض آخر من مصاديقه وهو العلم الحضوريّ جوهرٌ أو غير ذلك ، وقد تحقّق أن المفهوم الصادق على أكثر من مقولة واحدة وصفٌ وجوديٌّ غيرُ مندرج تحت مقولة منتزعٌ عن الوجود بما هو وجود ، فللعلم معنى جامع يهدي إليه التحليل وهو حضور شيء لشيء.
فإن قلت : لو كانت الإرادة لا يعرف لها معنى إلاّ الكيفيّة النفسانيّة التي في الحيوان ، فما بالها تنتزع من مقام الفعل ولا كيفيّة نفسانيّة هناك؟ فهو الشاهد على أنّ لها معنى أوسع من الكيفيّة النفسانيّة وأنّها صفة وجوديّة كالعلم.
قلت : اللفظ كما يطلق ويراد به معناه الحقيقيّ كذلك يطلق ويراد به لوازم المعنى الحقيقيّ وآثاره المتفرّعة عليه توسّعاً. والصفات المنتزعة من مقام الفعل لمّا كانت قائمةً بالفعل حادثةً بحدوث الفعل متأخّرةً بالذات عن الذات القديمة بالذات ، استحال أن يتّصف به الذات الواجبة بالذات ، سواء كان الإتّصاف بنحو العينيّة أو بنحو العروض ـ كما تبيّن في ما تقدّم (٣) ـ ، إلاّ أن يراد به لوازم المعنى الحقيقيّ وآثاره المتفرّعة عليه توسّعاً؛ فالرحمة ـ مثلا ـ فيما عندنا تأثّر وانفعال
__________________
(١) حيث قال : «وانّما الشأن كلّ الشأن في أخذهم ...».
(٢) هذا القول ذهب اليه الحكماء ، كما ذهب إليه الشيخ الرئيس في التعليقات ص ١٠٣ ، والنجاة ص ٢٥٠ ، والفصل السابع من المقالة الثامنة من إلهيات الشفاء.
(٣) راجع الفصل العاشر من هذه المرحلة.