مقصود بالقصد الثاني ولم يتعلّق القصد الأوّل إلاّ بالخير؛ على أنّه سيتّضح أيضاً (١) أنّ الوجود ـ من حيث إنّهوجود ـ خيرٌ لاغير ، وإنّما الشرور ملحقة ببعض الوجودات ، فالذي يفيضه الواجب من الفعل وجوده الخير بذاته الطاهرة في نفسه ، وما يلازمه من النقص والعدم لوازم تميُّزه في وجوده ، والتميّزات الوجوديّة لولاها لفسد نظام الوجود ، فكان في ترك الشرّ القليل بطلان الخير الكثير الذي في أجزاء النظام.
وذهب جمع آخر من المتكلّمين ـ وهم الأشاعرة ومن تبعهم (٢) ـ إلى أن كلّ ما هو موجود غير الواجب بالذات من ذات أو صفة أو فعل فهو بإرادة الواجب بالذات من غير واسطة ، فالكلّ أفعاله ، وهو الفاعل ، لا غير.
ولازِمُ ذلك : أوّلا : ارتفاع العلّيّة والمعلوليّة من بين الأشياء وكون استتباع الأسباب للمسبّبات لمجرّد العادة ، أي إنّ عادة الله جرت على الإتيان بالمسبّبات عقيب الأسباب من غير تأثير من الأسباب في المسببّات ولا توقُّف من المسببّات على الأسباب.
وثانياً : كون الأفعال التي تعدّ أفعالا اختياريّةً أفعالا جبريّةً لا تأثير لإرادة فواعلها ولا لاختيارهم فيها.
ويدفعه : أنّ انتساب الفعل إلى الواجب (تعالى) بالإيجاد لا ينافي انتسابه إلى غيره من الوسائط ، والانتساب طوليٌّ لا عرضيٌّ ـ كما تقدّم توضيحه (٣) ـ. وحقيقة وساطة الوسائط ترجع إلى تقيّد وجود المسبّب بقيود مخصّصة لوجوده ، فإنّ ارتباط الموجودات بعضها ببعض عرضاً وطولا يجعل الجميع واحداً يتقيّد بعض
__________________
(١) راجع الفصل الثامن عشر من هذه المرحلة.
(٢) راجع الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة ص ١٥٥ ، ومذاهب الاسلاميّين ج ١ ص ٥٥٥ ، والفرْق بين الفِرَق ص ٢٧٥ ، والملل والنحل ص ٩٦ ، واللمع ص ٦٩ ـ ٩١. واستدلّوا عليه بوجوه ذكرها المحقّق الشريف تبعاً للعلاّمة الإيجيّ في شرح المواقف ص ٥١٥ ـ ٥٢٠ ، والعلاّمة التفتازانيّ في شرح المقاصد ج ٢ ص ١٢٥ ـ ١٤٣. وتبعهم هشام بن الحكم من الرافضة ، راجع مقالات الاسلاميين ج ١ ص ١١٠ ، والحسين بن محمّد النجار كما في الفرْق بين الفِرَق ص ١٥٥ ، ومقالات الإسلاميين ج ١ ص ٣١٥.
(٣) حيث قال : «وفاعليّة الواجب (تعالى) في طول فاعليّة الإنسان».