وجوديٌّ ـ شرّاً لغيره ، إمّا بكونه مُعدِماً لذات ذلك الغير ، أو مُعدِماً لشيء من كمالاته ، أو بعدم إعدامه لا لذاته ولا لشيء من كمالاته ، والأوّل والثاني غير جائزين ، فإنّ الشرّ حينئذ يكون هو عدم ذلك الشيء أو عدم شيء من كمالاته دون الشيء المُعدِم المفروض ، وهذا خلف ، والثالث أيضاً غير جائز ، فإنّه إذا لم يعدم شيئاً لا ذاتاً ولا كمال ذات فليس يجوز عدَّهُ شرّاً ، فالعلم الضروريّ حاصلٌ بأنّ ما لا يوجب عدم شيء ولا عدم كماله فإنّه لا يكون شرّاً له لعدم استضراره به ، فالشرّ كيفما فرض ليس بوجوديٍّ ، وهو المطلوب (١).
ويصدّق ذلك التأمّلُ الوافي في موارد الشرّ من الحوادث ، فإنّ الإمعان في أطرافها يهدي إلى أنّ الشرّ الواقع عدم ذات أو عدم كمال ذات ، كما إذا قَتَلَ رجلٌ رجلا بالسيف صبراً ، فالضرب المؤثّر الذي تصدّاه القاتل كمالٌ له وليس بشرَ ، وحدّة السيف وكونه قطّاعاً كمالٌ له وليس بشرّ ، وانفعال عُنُق المقتول ولينته كمالٌ لبدنه وليس بشرّ ، وهكذا ، فليس الشرّ إلاّ زهاق الروح وبطلان الحياة وهو عدميٌّ.
وتبيّن بما مرّ أنّ ما يعدّ من الوجودات شرّاً بسبب الاستضرار به هو شرّ بالعرض كالقاتل والسيف في المثال المذكور.
فإن قلت (٢) : إنّ الألم من الإدراك غير تفرُّقِ الاتّصال الحاصل بالقطع مثلا ، وهو أمر وجوديّ بالوجدان. وينتقض به قولهم : «إنّ الشر بالذات عدميّ» اللهم إلاّ أن يراد به أنّ منشأ الشرّيّة عدميٌّ وإن كان بعض الشرّ وجوديّاً.
قلت : أجاب عنه صدر المتألّهين (٣) (قدس سره) بأنّ الألم إدراك المنافي العدميّ ،
__________________
(١) هذا الدليل أقامه قطب الدين الشيرازيّ في شرح حكمة الإشراق ص ٥٢٠. وتعرّض له أيضاً صدر المتألّهين في الأسفار ج ٧ ص ٥٩.
(٢) هذا الإشكال هو الذي ذكره المحقّق الدوانيّ في حاشية شرح التجريد القوشجيّ ص ١٤. وتعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ج ٤ ص ١٢٦ ، وج ٧ ص ٦٢ ـ ٦٣.
(٣) راجع الأسفار ج ٧ ص ٦٣ ـ ٦٨. ثمّ انّ المحقّق السبزواريّ ناقش في ما ذكره صدر المتألّهين في دفع الإشكال ، وبعد ذلك ذكر وجهاً آخر لدفعه ، فراجع تعليقاته على الأسفار ج ٧ ص ٦٣ ـ ٦٥.