نتصوّر الأرض على سَعَتها بسهولها وبراريها وجبالها وما يحيط بها من السماء بأرجائها البعيدة ، والنجوم والكواكب بأبعادها الشاسعة؛ وحصول هذه المقادير العظيمة في الذهن ـ أي إنطباعها في جزء عصبيٍّ أو جزء دماغيٍّ ـ من انطباع الكبير في الصغير ، وهو محالٌ. ولا يُجدى الجوابُ عنه بما قيل (١) : «إنّ المحلّ الذي ينطبع فيه الصور منقسمٌ إلى غير النهاية» ، فإنّ الكفّ لا تَسَع الجبل وإن كانت منقسمةً إلى غير النهاية (٢).
وجه الاندفاع : أنّ الحقّ ـ كما سيأتي بيانه (٣) ـ ، أنّ الصور العلميّة الجزئيّه غير مادّيّة ، بل مجرّدةٌ تجرّداً مثاليّاً فيه آثار المادّه من الأبعاد والألوان والأشكال ، دون نفس المادّة ، والانطباع من أحكام المادّة ، ولا انطباع في المجرّد.
وبذلك يندفع أيضاً إشكالٌ آخر : هو أنّ الإحساس والتخيّل على ما بيّنه علماء الطبيعة بحصول صور الأجسام بما لها من النسب والخصوصيّات الخارجيّة في الأعضاء الحسّاسة وإنتقالها إلى الدّماغ ، مع ما لها من التصرّف في الصور بحسب طبائعها الخاصّة ، والإنسان ينتقل إلى خصوصيّات مقاديرها وأبعادها وأشكالها بنوع من المقايسة بين أجزاء الصورة الحاصله عنده ـ على ما فصّلوه في محلّه ـ ؛
__________________
الانطباع ـ يعني المعلّم الأوّل ومن تبعه ـ في كيفيّة الإبصار ، فإنّهم أوردوا عليهم بأنّ الجبل إذا رأيناه مع عظمه ، والرؤية إنّما هي بالصورة المنطبعة في الجليديّة ، فإن كان هذا المقدار العظيم للصورة المنطبعة فكيف حصل المقدار الكبير في حدقة صغيرة. راجع شرح حكمة الإشراق ص ٢٦٩.
(١) والقائل بعض من أصحاب الانطباع. قال الشيخ الإشراقيّ ـ بعد ذكر ما أورده أصحاب الشعاع على أصحاب الانطباع ـ ما حاصله : «أجاب بعض من أصحاب الانطباع عن هذا الإيراد ـ وهو استبعاد حصول المقدار الكبير في الصغير ـ بأنّ الرطوبة الجليديّة تقبل القسمة إلى غير النهاية ، والجبل أيضاً صورته قابلةٌ للقسمة إلى غير النهاية ، وإذا اشتركا في لا نهاية القسمة فيجوز أن يحصل المقدار الكبير فيها» ـ إنتهى. راجع شرح حكمة الإشراق ص ٢٦٩.
(٢) هكذا قال صدر المتألّهين في الأسفار ج ١ ص ٢٩٩. وصرّح أيضاً الشيخ الإشراقيّ ببطلان ذلك الجواب ، فراجع شرح حكمة الإشراق ص ٢٦٩.
(٣) راجع الفصل الأوّل والثاني من المرحلة الحادية عشرة.