الوقوع في الضلال. وبذلك يتّضح أن قول عمر : « حسْبنا كتاب الله » (١) يتنافى مع قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الأحاديث.
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وإنهما لن يفترقا حتى يرِدَا عليَّ الحوض ».
قال المناوي في شرح ذلك : وفي هذا مع قوله أولاً : « إني تارك فيكم » تلويح بل تصريح بأنهما ـ أي الكتاب والعترة ـ كتوأمين خلَّفهم ووصَّى أمته بحسن معاملتهما ، وإيثار حقّهما على أنفسهم ، واستمساك بهما في الدين ، أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار والحِكَم وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق. وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين ، فّطِيبُ العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ، ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته (٢).
أقول : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» دالٌّ على أن العترة لا يفترقون عن كتاب الله العزيز مطلقاً ، وعدم الافتراق يتحقق من جهات ثلاث :
الجهة الأولى : أنهم لا يفارقون القرآن في أقوالهم وفتاواهم ، فهي موافقة لمعاني القرآن الظاهرة والباطنة ، وذلك لأنهم علموا محكَمه ومتشابهه ،
__________________
(١) قاله عمر لما أراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكتب في مرضه كتاباً لا تضل به الأمة من بعده ، وهذا الحديث مروي عن ابن عباس رضياللهعنه ، قال : لم اشتد بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجعه قال : أئتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط ، قال : قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين كتابه. أخرجه البخاري ١ / ٣٨ ، ٤ / ٨٥ ، ١٢١ ، ٦ / ١١ ، ٧ / ١٥٥ ، ٩ / ١٣٧ ، واللفظ له ، وأخرجه مسلم في صحيحه ٣ / ١٢٥٧ ـ ١٢٥٩ بألفاظ متقاربة ، وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٢٢٢ ، ٢٩٣ ، ٣٢٤ ، ٣٣٦ ، ٣٥٥ ، والحاكم في المستدرك وصححه ٣ / ٤٧٧ ، وغيرهم.
(٣) فيض القدير ٣ / ١٤.