وناسخه ومنسوخه ، وخاصَّه وعامَّه ، ومقيَّده ومطلقه ، ومبيَّنه ومجمَله ، فردّوا المتشابه إلى المحكم ، والمنسوخ إلى الناسخ ، والعام إلى الخاص ، والمطلق إلى المقيّد ، والمجمل إلى المبيّن.
ولولا ذلك لوقعوا في مخالفة الكتاب العزيز من حيث لا يعلمون ، فيقع بينهما الافتراق المنفي في هذا الحديث ، ويتحقق التعارض بين علامتَي الحق المنصوبتين اللتين يجب أن تكونا متّفقتين ، لأن كل واحدة منهما ينبغي أن تكون دالة على الحق ، وهذا لا يتأتّى مع حصول التعارض بينهما.
الجهة الثانية : أنهم لا يفارقون القرآن في أفعالهم وسلوكهم ، وذلك لأنهم لمَّا علموا بمعاني القرآن وفهموا مقاصده الشريفة عملوا بما فيه في جميع شؤونهم وأحوالهم ، فلا يقع منهم ما يخالفه لا عن عمد ولا عن جهل ولا عن سهو ولا غفلة. ولولا ذلك لافترقوا عنه في بعض أحوالهم ، فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول عليهم بأنهم لا يفترقون عنه ولا يفترق عنهم.
الجهة الثالثة : أنهم لا يفارقون القرآن في الوجود ، فلا بد من وجود مَن يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت عليهمالسلام في كل زمن إلى قيام الساعة ، حتى يتوجّه الحث المذكور على التمسّك بهاتين العلامتين على ممر الدهور.
قال ابن حجر : والحاصل أن الحث على التمسّك بالكتاب والسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت ، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأُمور الثلاثة إلى قيام الساعة (١).
وقال : وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق : « في كل خَلَف من أُمتي عدول من أهل بيتي ... » إلى آخره (٢).
__________________
(١) الصواعق المحرقة ، ص ١٨٠. وط محققة ٢ / ٤٣٩.
(٢) الصواعق المحرقة ، ص ١٨١. وط محققة ٢ / ٤٤٢.