ولم يمكنه ذِكر غيرهما ممن كان غائباً خشية أن يتفرّقوا عن ذلك المجلس من غير إبرام أمر ولا إحكامه ، فيفوت المقصود ، ولو وَعَدوا بالطاعة لمن غاب منهم حينئذ ما أَمِنَهم على تسويل أنفسهم إلى الرجوع عن ذلك (١).
ولأجل هذا المعنى اعتذر عمر بن الخطاب نفسه في حديث السقيفة عن مسارعتهم في بيعة أبي بكر ، وعدم تريّثهم لمشاورة باقي المسلمين ، فقال :
وإنَّا والله ما وجَدْنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقْنا القوم ولم تكن بيعة ، أن يُبايِعوا رجلاً منهم بعدنا ، فإما بايعناهم على ما لا نرضى ، وإما نخالفهم فيكون فساد.
وأشار أبو بكر إلى ذلك في خطبته في المسجد بعد ذلك ، معتذراً للناس عن قبوله البيعة لنفسه ، فقال :
والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة قط ، ولا كنت راغباً فيها ، ولا سألتها الله في سِرّ ولا علانية ، ولكن أشفقت من الفتنة (٢).
وأخرج أحمد في المسند أن أبا بكر قال : فبايَعوني لذلك ، وقبلتُها منهم ، وتخوَّفتُ أن تكون فتنة تكون بعدها رِدَّة (٣).
٢ ـ إن ما أُصيب به الإسلام والمسلمون من المصيبة العظمى والداهية الكبرى بفقد النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما تبعه من حوادث ، جعل كثيراً من صحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يتجنَّبون الخِلاف والنزاع. فبعد أن علموا أن البيعة تمَّت لأبي بكر في السقيفة ، رأوا أنهم إما أن يرضوا بما وقع ، وفيه ما فيه ، أو يُظهروا الخلاف فيكون الأمر أسوأ والحالة أشد ، والمسلمون أحوج ما يكونون إلى نبذ الفرقة ولم الشمل ، فبايعوا أبا بكر ، وكانت بيعتهم من باب دفع الأفسد في نظرهم بالفاسد.
__________________
(١) الرياض النضرة ١ / ٢٣٨.
(٢) السيرة الحلبية ٣ / ٤٨٤. وراجع مروج الذهب ٢ / ٣٠١.
(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٤١ ح ٤٢ ، قال أحمد شاكر : إسناده صحيح.