ولا يظفر ببغيته إلا بعد قطع مهامه وطي مراحله.
وأما شرح المصنف : فالناظر فيه لا يرضيه الاقتصار عليه ولا يقنعه ما يجده لديه ؛ بل تتشوف نفسه إلى زيادات الشرح الكبير ، ويرى أنه إن لم يحظ بها علما كان منسوبا إلى التقصير ؛ فرأيت أن أضرب بقدح وأرجو أن يكون القدح المعلّى (١) من القدحين ، وأن أضع على هذا التصنيف ما هو جامع لمقاصد الشرحين وأتوخى الجواب عما يمكن من مؤاخذات الشيخ ومناقشته بالبحوث الصحيحة والنقود الصريحة ، مع ذكر زيادات انفرد بها هذا الكتاب وتنقيحات يرغب فيها المتيقظون من الطلاب ؛ فشرعت في ذلك مستمدّا من الله تعالى أن يوفقني لسبيل الرشاد ، وأن يهديني للتبصر والسداد ، وأن يعينني بتوفيقه على بلوغ الغرض وإكمال المراد. وسميته : تمهيد القواعد (٢) ، راجيا أن المقتصر عليه يستغني به عن مراجعة سواه ويدرك منتهى أمله من هذا العلم وغاية متمنّاه.
وأنا أسأل الواقف عليه أن يصفح عما فيه من الزلل ، وأن ينعم بإصلاح ما يشاهده من خلل ، والله سبحانه وتعالى المرغوب إليه في العصمة من الخطل ، والتوفيق في كلا الأمرين القول والعمل.
وقد كنت شرعت في ذلك والزمان غض ، والشباب غير مبيض (٣) ، فلما عاقت عنه العوائق ، وتقاصر العزم لما نبا الطلبة عن تلك الطرائق ، وشغلتني الخدم (٤) ، وتحقق ما رأيته من قصور الهمم ، أحجمت عن إتمامه من غير فترة (٥) وتركت العمل فيه وإن كانت [١ / ٤] الرغبة في ذلك مستمرة ، إلى أن
__________________
(١) في اللسان (علا) : المعلّى : بفتح اللام : القدح السابع في الميسر وهو أفضلها إذا فاز حاز سبعة أنصباء من الجزور.
(٢) في اللسان (مهد) : تمهيد الأمور : تسويتها وإصلاحها ، فكأنه يقصد بتسميته : تمهيد القواعد ، أي : إصلاح قواعد النحو وتفسيرها للدارسين.
(٣) يقصد أول حياته حين فتوته وشبابه ، والغض من الأشياء : الناضر الطري ، والغضة من النساء : الرقيقة الجلد الظاهرة الدم.
وهو يشير إلى أنه ألف كتابه في زمانين : زمان الشباب وزمان الشيب والأخير كان بعد أن جاوز الستين عاما. انظر ذلك مفصلا في قسم الدراسة.
(٤) الخدم : بكسر الخاء وفتح الدال جمع خدمة وهو ما يقدم الرجل للناس مروءة.
(٥) الفترة : الانكسار والضعف ، وفتر الشيء يفتر فتورا : سكن بعد حدة.