بالفاء لإشعارها بترتيب الثاني على الأول ، وبقوله (١) : لذلك ، للدلالة على العلّيّة.
(تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد) الأولى أن لا يؤول المصدران باسم فاعل ؛ بل يجريان على ظاهرهما ؛ ليجعل متن الكتاب نفس هذين المعنيين فتحصل المبالغة.
وفي هاتين الفقرتين (٢) السجع المرصّع لتقابل كلماتها وزنا وتقفية فهو نظير قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(٣) ، ومنه قول الحريري (٤) :
فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه (٥).
(فهو جدير) يقال : فلان جدير بكذا ، أي : يستحق ذلك استحقاقا لا منازعة فيه ، ومثله : حقيق وخليق ، والفاء في قوله : فهو ، تشعر بالسببية ؛ فيكون جعل تسمية الكتاب بما تقدم ، علة لما ذكر وليس في التسمية مناسبة لذلك.
والذي يظهر أن المصنف كأنه يقول : إنما سميته بذلك ؛ لاشتماله على معنى الاسم المسمى به حقيقة. وإذا كان مشتملا على ذلك كان جديرا بما يذكره.
(بأن يلبّي دعوته الألبّاء) معنى يلبي أي : يجيب دعوته بقوله : لبّيك.
وفي قوله : دعوته : استعارة مكني عنها واستعارة تخييلية ؛ وذلك أنه شبه
__________________
(١) أي : وأتى بقوله ، فهو معطوف على ما قبله ، ومعنى قوله : للدلالة على العلية ، أي : من أجل ذلك.
(٢) في نسخة (ب) : القرينتين ، وهي الفقرتان أيضا.
(٣) سورة الغاشية : ٢٥ ، ٢٦. ولا يشترط في السجع المرصع عدد معين من الكلمات ، كما لا يشترط التساوي بين الفقرتين.
(٤) هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان بن الحريري أبو محمد ، ولد بالبصرة في حدود (٤٤٦ ه).
قرأ الأدب والنحو وكان غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة. تولى ديوان الخلافة طوال حياته ، ثم أسند هذا المنصب لأولاده من بعده. وله مصنفات عجيبة في الأدب والنحو ، منها : كتاب المقامات الذي شهر به ، وكتاب : درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ ، وكتاب ملحة الإعراب ، وهي قصيدة في النحو ، ثم شرح هذا الكتاب. توفي عن سبعين عاما سنة (٥١٠ ه). والتلقيب بالحريري نسبة إلى عمل الحرير أو بيعه. انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص ٣٧٩) ، معجم الأدباء (١٦ / ٢٦١) ، الأعلام (٦ / ١٢).
(٥) الفقرتان من المقامة الأولى للحريري (١ / ٥٣) ، وفيها يتحدث عن شخص فيقول : رأيت في بهرة الحلقة شخصا سخت الخلقة عليه أهبة السياحة وله رنة النياحة فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ويقرع الأسماع بزواجر وعظه. وقد أحاطت به أخلاق الزمر إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر ؛ فدلفت إليه ؛ لأقتبس من فوائده وألتقط بعض فرائده ... إلخ شرح مقامات الحريري للشريشي (المؤسسة المصرية).